بين الاعتراف بالأولوهية والإنكار لها

mainThumb

08-01-2023 12:23 PM

يقول الله تعالى : {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون } [1]
من بين كل الأديان أصبح معروفا أن الإسلام هو دين الرسالة من الناحية النظرية او التطبيقية .. والقرآن يأمر بالدعوة والإقناع وينهى عن الإكراه ،ولم تأتي مهمة تبليغ الرسالة بعد تريث وتفكير ولكنها كانت ملقاة على عاتق الرسول (صلى الله عليه وسلم ) منذ البداية ثم سار خلفائه من بعده والمؤمنين ،فالإسلام قائم على الدعوة منذ بداية ظهوره وحتى نهايته وقد نرى ذلك واضحا في آيات القرآن المكية والمدنية على السواء ..، بهذه العبارات بدأ سير توماس . و ارنولد Sir T homas .W . A R N O L D كتابه الدعوة الى الإسلام "*" ولإن الإسلام يقوم على الدعوة فقد سجل القرآن مختلف المواقف التي رافقت الدعوة وهذه الآية السابقة تبين التناقض بين اعتراف الكفار بالله الخالق ورفضهم لسماع ما جاء عن الله ،وتسجل موقف من المواقف العجيبة فلا يمكنك أن تتحدث إلى أحد ما لم يبدئ استعداده للسماع فالموافقة المبدئية شرط أساسي لقيام أي حوار أو نقاش ،ثم لا بد أن يكون لدى المتحاورين إلى جانب قبولهم الاستماع لبعضهم البعض الإيمان بأن لدى كل منهم جانب من الحق ،وأن المتكلم لديه قضية ،ولكن الحكم على الأشياء من خلال الشكل دون معرفة المضمون فذلك هو الجحود والجهل والكفر ،واعني هنا بالكفر هو عدم السماح بظهور الحقائق وكشفها .
ولكن القضية هنا إذا كان المرجع في الحوار أو النقاش بين المتحاورين هو كلام الله،
و كان الوعظ من كلام الله،
و كان الاهتداء بهدي الله،
و كان التذكير بما عند الله،
كل ذلك يجعل الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر قلبه مطمئنًا، ويهتدي بهدي الله، يتبصر ببصائر الله، يقبل أحكام الله وتعاليمه، ويطبقها في حياته،
فيكون ذكر الله له نورا في الدنيا والآخرة، وهؤلاء هم الذين وصفهم الله بقوله : {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد }[2] .
وذلك لأن مفهوم الله لدى المؤمن يعني بأن الله هو الذي يمتلك الصفات الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم ،وأنه سبحانه يتنزه عن كل النقائص والعيوب ما علمنا منها وما لم نعلم ،وبالتالي فإذا ذكر الله فإنه يتعين اضطرارا بانه متعلق بواحد لا ثاني له أول لا يتعلق بأول وأخر لا يتعلق بآخر ،خالق الخلق ورب الأرباب ،و يكون لديه مفهوما واحدا عنده أن الله هو من يمتلك تلك الأوصاف ، وأن الله يمتلك العلم الكامل والحق الكامل التام العام الصادق ،فلا أصدق منه
والرسول حين كان يخاطبهم فإنه بلا شك لم يكن خطابا عاديا ، كان يذكر لهم الله بصفته مرسل من عند الله ومأمور بتبليغ ما ارسل به ،وليس هو إلا مبلغا عن ربه وكان عليهم أن يتأكدوا إن كان رسول الله أم مدعيا ،ولأنه صادق كان يقول لهم أن قضية افراد الله وتوحيده قضية جوهرية وجودية تتعلق عليه وجود الأشياء كلها ،{ هو الله أحد ° الله الصمد° لم يلد ولم يولد ° ولم يكن له كفؤا أحد }[3] فالله واجب الوجود يتعلق عليه كل موجود ولا يتعلق هو بموجود ،ولا يوجد إلا ذات واحدة هو الله يصدق عليه وصف الخالق ،وانكم تتمسكون بآلهة زائفة لكن لا تستطيعون أن تعطوها أوصاف الخالق ،فهم كانوا عدما فأوجدهم الله ،ومبدأ هذا التعين واضح الدلالة بإقراركم أنتم انه لا خالق إلا الله ،وكان بمقتضى هذ الإقرار يلزمكم أن تستبشروا وتستمعوا وتستجيبوا لما يأتي من الله ، وأن يزول عنكم كل شك بما أتى به الرسول من ربه وهو خير لكم ولسعادتكم ،
وكان الأجدر بكم إذا ذكر الله أن تفرحوا وتسألوني أخبرنا ماذا تعرف عن الله ؟
وأي شيء جئت به عن الله ؟
وحتى لا نسقط آيات القرآن على الأقوام الماضية اسمحوا لي أوجه هذ السؤال لأنفسنا ، هذا القرآن اليوم بين أيدينا فلماذا لا نتعرف على ما جاء به ؟
لماذا نبذل جهدا لكلام الفلاسفة وكلام العلماء ولا نبذل نفس الجهد أو بعضه للتبصر بكلام الله
وفي منتهى العجب والغرابة أن هناك فريق آخر لا ينظرون إلا لمصالحهم الآنية ،
كلما ، تذكرهم بالله وبما وعدهم الله قَبَّضَت قلوبهمْ كِبْرًا وأنَفَةً وكَراهِيَةً ونُفُورًا، وهي تعكس حالتهم النفسية والتصادم الداخلي بين حق واضح خاطبهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وباطل محض زين لهم ، فهم في حقيقة أمرهم يعرفون ويقرون أنه لا يصدق وصف خالق الخلق ورب الأرباب إلا على الله وحده ولا ينطبق على من دونه ،ومن ناحية أخرى يلجؤون إلى المغالطات فيشترون لهو الحديث { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِىٓ أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) }[4]
لقد تكبروا على الله ورسوله، ليس لديهم الصبر والأناة،
يستشهدون بما دون الله أيا كانوا، رؤساء زعماء وجهاء، طالما يحصلون منهم على مكاسب مادية، هذا في أحسن الأحوال يحققون متعة اللحظة ،وغالبا ما يكون أحلام وأوهام ووعود معظمها كاذبة ،و بطرق غير مشروعة ،ولا ينظرون إلى ما أصبغ الله عليهم من نعمائه الظاهرة والباطنة وكما ان صدق بما أنعم به على عباده في بالدنيا ،فلماذا البعض لا يصدق حدوث مثل ذلك في الأخرة ، يصدقون كلام هؤلاء لأنه يسير وفق أهوائهم، يفرحون بتحقق الشيء البسيط العاجل على الشيء العظيم الآجل، هذا الشيء العظيم يعطيه الله لمن آمن بالله واليوم الآخر، لمن اهتدى بهدى الله، فالاهتداء بهدى الله فيه الخير والعزة والرفعة والفلاح، وما دون الله دون، وما دون الله ليس كالله، فليس كوعد الله وعد ،ولا كقوله قول ،ولا كفعله فعل ولا كوصفه وصف ، فكل ما دون الله يتصف بالدونية، قاصر عاجز ، فكيف نركن على القاصر العاجز وننسى من بيده ملكوت السماوات والأرض، نعتقد أن الرئيس أو الزعيم أو الشيخ هو من ينبغي أن نتقرب إليه، ونصغي لكلامه، ونحصل على مكاسب مادية منه، فنركن عليه ونستبشر به، ونحن نعلم أنه فاسد وظالم، الله تعالى يحذرنا أن نكون من هذا الصنف فنخسر الدنيا والآخرة، نخسر أنفسنا وأهلينا يوم القيامة، نخسر رضاء الله وهداه ،وتوفيقه، اللهم ارضى عنا واهدنا ووفقنا إلى ما تحبه وترضاه.
وبمناسبة قدوم العام الجديد نسأل الله أن يدخله علينا في عافية عظيمة وعلى اهلنا واحبابنا وبلداننا ويوفقنا به لكل صالحة وجزى الله عني خيرا من مج حروف هذه النصيحة في فمي ،وفتح عليه فتوح العارفين وقارئها وانا معهم وفيهم .
.......
الهامش :
"*" انظر ص25- 28 . كتاب الدعوة إلى الإسلام بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية ترجمه وعلق عليه /الدكتور حسن إبراهيم حسن . و. د عبد المجيد عابدين . و اسماعيل النحراوي /مكتبة النهضة المصرية القاهرة 1971
والمؤلف هو : توماس وولكر آرنولد ( Thomas Walker Arnold)‏: (مواليد 1864- وفيات 1930) مستشرق بريطاني شهير، بدأ حياته العلمية في جامعة كمبردج، .
1-الزمر آية (45)
2- [ الزمر : 23 ] ،
3- سورة الإخلاص .
4- سورة لقمان


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد