مشروع مارشال عربي

mainThumb

15-06-2025 12:27 AM

لقد آن الأوان لأن نستفيق من غيبوبة تاريخية طالت أكثر مما ينبغي، وأن نتوقف عن مراقبة حرائق أوطاننا وكأنها مشاهد من مسرحية عبثية لا نملك فيها دوراً. فما جرى ويجري في غزة وسوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا والسودان ليس قدراً لا يُرد، بل نتيجة حتمية لفراغ عربي قاتل، ترك المجال مفتوحاً لقوى إقليمية ودولية لتعبث بجغرافيتنا وتعيد تشكيلها وفقاً لأحلامها، لا لمصالح شعوبنا.

اليوم، وبعد أن تهاوت مشاريع الهيمنة الإقليمية من طهران إلى أنقرة، وتمدّد النفوذ الإسرائيلي في قلب المنطقة بغطاء أميركي صارخ، لا ينبغي أن نفرح بسقوط الآخر، بل يجب أن نسأل: وماذا عنّا؟ أين نحن من هذه المعادلات؟ بل الأهم: ما هو مشروعنا؟ هل سنبقى نراوح مكاننا في دائرة ردّ الفعل، ننتشي أحياناً بهزيمة خصومنا، ونبكي أطلالنا كلما اشتدت نار الخراب؟ أم أننا نمتلك الشجاعة والعقل الجمعي لصناعة مشروع عربي جامع، واقعي وطموح، يعيد للمنطقة توازنها وكرامتها؟

إن اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم لا تحتمل الترف السياسي ولا الانتظار. نحتاج إلى "مشروع مارشال عربي" حقيقي، مشروع لا يأتي من عواصم النفوذ العالمي، بل ينبع من رحم المعاناة العربية ويُبنى على إرادة الشعوب لا على قرارات الوصاية. مشروع يعيد إعمار البلدان العربية المنكوبة، ويجبر كسور الجغرافيا والديموغرافيا، ويحيي الأمل في أمة أنهكتها الحروب والانقسامات.

مشروع مارشال العربي ليس مجرد خطة اقتصادية، بل هو نهضة شاملة تعيد بناء الإنسان قبل البنيان، وتعيد ترميم الوعي قبل ترميم الجدران. إنه مشروع للتكامل العربي، لا للتبعية؛ للمقاومة، لا للمساومة؛ للسيادة، لا للنيابة عن الآخرين. مشروع يعيد الاعتبار للهوية العربية بوصفها جسراً حضارياً بين الشرق والغرب، لا ساحة خلفية لصراعاتهم.

إن لم نبادر الآن، فسنبقى مجرد أوراق على طاولة الآخرين. أدوات تُستخدم وتُرمى، وأرض تُباع وتُشترى في مزادات النفوذ. إن وحدة المصير العربي لم تعد شعاراً رومانسياً، بل أصبحت ضرورة وجودية. فإما أن نتحد لبناء مشروعنا، أو نواصل التفكك حتى الذوبان.

الاحتلال لا يزال قائماً، لكنه لم ينتصر بعد. والوكلاء ما زالوا يملأون الساحة، لكنهم لا يملكون شرعية التاريخ ولا روح الأمة. نحن، الشعوب العربية، إن رفعنا الصوت وامتلكنا الرؤية، نستطيع أن نغيّر المعادلة. ليس عبر شعارات جوفاء، بل عبر مشروع واضح، جاد، وعملي.

فلنُطلق نداءً عربياً نهضوياً حقيقياً، من قلب الألم العربي، لا يراهن على الخارج ولا يتكئ على الماضي، بل يبني من الداخل ويصنع مستقبلاً تُكتب فيه العروبة بحبر الإرادة لا بدماء الندم. هذا هو وقتنا، وهذا هو خيارنا الأخير.

فهل نملك الجرأة لنبدأ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد