الأردن الأقوى لا يبنى بالخوف بل بالحرية والعدالة

mainThumb

16-08-2025 08:26 PM

كفى عبثاً بالأردن ومستقبله! إن مجرد التلويح بحكومة عسكرية أو أحكام عرفية ليس إلا قفزة في المجهول، وطعنة غادرة في قلب الاستقرار الوطني، وضربة موجعة للنسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. الأردن الذي عرفناه منذ تأسيسه لم يكن يوماً دولة بوليسية، بل كان –رغم كل الصعوبات– دولة قانون ومؤسسات، يتماسك فيها الناس حول ثوابت راسخة من العدالة والحرية والكرامة.

من يظن أن القبضة الحديدية تصنع استقراراً دائماً، واهم. ومن يراهن على تكميم الأفواه كسبيل لتحقيق الأمن، غافل عن أبسط دروس التاريخ. القوة الحقيقية ليست في فرض الصمت بالقسر والإكراه، وإنما في بناء جبهة داخلية صلبة موحّدة، قائمة على الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع، وعلى احترام وعي الأردنيين وكرامتهم ومشاركتهم في صناعة القرار. الأمن لا يُستورد، ولا يُفرض بالعصي والهراوات، بل يُبنى في النفوس والعقول عبر منظومة متكاملة قوامها العدالة، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص، وضمان الحريات العامة. هذا هو الطريق الوحيد لصون الوطن وتعزيز مناعته، أما غير ذلك فمجرد حلول ترقيعية سرعان ما تنكشف عورتها.

لقد جربنا في مراحل سابقة من تاريخ المنطقة ما يعنيه الحكم العرفي والحكومات العسكرية. رأينا كيف تتحول الشعوب إلى أسرى في أوطانهم، وكيف تتحول الأوطان إلى معسكرات مغلقة تنخرها الشكوك والريبة وتنهشها المصالح الضيقة. النتيجة كانت واحدة: دول هشة، مجتمعات منقسمة، واقتصاد مترنح لا يقوى على مواجهة أبسط الأزمات. فهل يريد البعض أن يجرّ الأردن إلى هذا المستنقع مجدداً؟! هل نعيد عقارب الساعة إلى الوراء بدلاً من أن نخطو بثقة نحو المستقبل؟!

الحرية ليست ترفاً سياسياً، وليست شعاراً للاستهلاك الإعلامي. الحرية صمام الأمان، هي التي تُنتج وعياً جمعياً، وتفتح أبواب المشاركة، وتُحصّن الجبهة الداخلية من أي اختراق خارجي أو انقسام داخلي. المجتمع الحر الواعي أقوى من أي تهديد، أما المجتمع المكمّم، فهو هشّ مهما بدا هادئاً. إن الضغط يولد الانفجار، وتجاهل أصوات الناس لا يلغيها، بل يضاعفها حتى تنفجر دفعة واحدة. الحكمة تقتضي أن نستمع وننصت ونُشرك الناس، لا أن نخيفهم أو نصادر حقهم في التعبير.

الأردن يستحق أن يكون وطناً آمناً بالحرية، قوياً بوحدته، صلباً بجبهته الداخلية… لا رهينة للخوف ولا ملعباً للترهيب ولا أسيراً لمخاوف مفتعلة. إن الذين يلوّحون بالأحكام العرفية والحكومة العسكرية عليهم أن يدركوا أنهم يسيئون للأردن قبل أي أحد آخر، فهم يصورون هذا الوطن العظيم وكأنه عاجز عن إدارة نفسه بالديمقراطية والقانون، وكأن الأردنيين قُصّر لا يُؤتمنون على حاضرهم ومستقبلهم.

ليكن واضحاً: الأمن يولد من الحرية والعدالة، لا من الترهيب وتكميم الأفواه. والاستقرار يُبنى على المشاركة الشعبية الواعية، لا على قمعها وإقصائها. إن مستقبل الأردن لا يُصان إلا بتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع، وبزيادة منسوب الحريات العامة، وبترسيخ قيم العدالة وسيادة القانون. الجبهة الداخلية هي القلعة الحقيقية التي تحمي الوطن، وكل ما عدا ذلك وهمٌ وخداع للنفس.

لن نسمح بالعودة إلى الوراء. لن نسمح أن يُختطف الأردن تحت أي ذريعة. هذا الوطن لنا جميعاً، نحميه بالحرية، ونبنيه بالعدالة، ونصونه بالوحدة والكرامة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد