حرب بالوكالة .. البطالة النخبوية وصناعة التشويه

mainThumb

23-08-2025 11:35 PM

تُعدّ البطالة النخبوية – أي العطالة الفكرية للنخب، وانشغالها بهوامش الجدل بدل قضايا البناء – من أبرز العوامل التي تُنتج مظاهر الانشغال العقيم داخل المجتمعات. فبدلاً من الانخراط في قضايا التنمية والتعليم والوحدة الوطنية، ينصرف بعض الفاعلين من مثقفين وإعلاميين و"مؤثرين" إلى إثارة سجالات جانبية أشبه بـ"نبش القبور"، أو إلى ممارسة دور المشوش كلما تعثرت المبادرات الجادة.

ويمكن أن نلمس ذلك – على سبيل المثال – في ظواهر إعلامية تعطي الأولوية لقضايا شكلية أو سجالات شخصية، بينما تتجاهل النقاش حول مشروعات تنموية أو إصلاحية تمسّ مستقبل المجتمع. مثل هذه الممارسات تُنمّي ثقافة الاستهلاك الجدلي بدل المشاركة في البناء.

وتزداد خطورة الظاهرة حين يتحوّل هؤلاء إلى أدوات، قد تكون طوعية أو غير واعية، تتلقى الدعم عبر قنوات مشبوهة أو أجندات غير معلنة، هدفها صرف اهتمام الرأي العام عن قضاياه الجوهرية. ويُلاحظ أنّ أساليبهم تتراوح بين انتقاء الحقائق الملغمة، وتضخيم الأخطاء، واستخدام العاطفة في التشويه، بل وحتى صناعة الأكاذيب.

وغالباً ما تتجه سهامهم نحو القادة الملهمين، سواء كانوا قادة ثورات أو رجال إصلاح، لإبطال أثرهم وإضعاف تجاربهم. ولا يعني هذا أنّ القادة معصومون من الخطأ، بل إنّ النقد الموضوعي مشروع وضروري؛ غير أنّ الفرق بين النقد البنّاء والتشويه الهدام هو اتساق النقد مع المصلحة العامة ووضوح أدلته، في مقابل شخصنة وهدم يستهدفان قتل الأمل في التغيير.

إنّ هذه الحملات لا تُدار عشوائياً، بل تُمثّل – كما تشير بعض الدراسات في علم الاتصال السياسي (انظر: تقارير مؤسسة Internews حول الإعلام الموجّه، 2022) – جزءاً من خطط "مخابر" لها أجندات محددة، تستعمل آليات استشعار دقيقة لتحريك أدواتها كلما لاح في الأفق مخرج مفرح أو فرج قريب.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنّ هناك نخباً إيجابية تعمل بصدق ووطنية، تبذل جهدها لتنوير الرأي العام، وتشارك في صناعة البدائل الفكرية والتنموية. فوجودها دليل على أنّ النخبة ليست كتلة واحدة، بل ساحة تتصارع فيها النوايا والاختيارات.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى استراتيجية مضادة، تقوم على:

1. دور المؤسسات التعليمية والإعلامية المستقلة في بناء وعي نقدي يفرّق بين النقد المسؤول وحملات التشويه.

2. مسؤولية النخب الملتزمة في فضح أساليب التضليل وتقديم بدائل فكرية جادة.

3. تفعيل الرقابة الشعبية الواعية على الخطاب العام، بما يُميز الغث من السمين.

بهذا يتحوّل وعي الأمة من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة، ويُبطل كيد المضللين، ويُحوّل الأراجيف إلى طاقة دافعة لمشاريع النهضة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد