امرأة الدانتيل: من بغداد إلى باريس
الدانتيل فلسفة الأمهات: من سيمون دي بوفوار إلى بغداد
لو أردتَ أن تُطفئ نار غضب أمك في عزّ ثورتها، لا تبحث عن كلمات الاعتذار الثقيلة ولا عن وعود التوبة الزائفة، بل اسألها سؤالًا واحدًا يا عزيزي القارئ:
ما الملابس التي ارتدتها في حفل خطبة صديقة عمةِ خالتها؟
عندها سترى المعجزة. ستبتسم الأم، ثم تتلمّظ كمن وجد ضالته، وتبدأ بفتح خزائن الذاكرة على مصراعيها. تصف لك القماش بخطوطه الدقيقة، وتعدّ لك عدد «البليسات» التي تتخلل التنورة، وتفصّل لون الأزرار وأحجامها، وتعيد رسم تصميم الأكمام كما لو أنها مهندسة معمارية للأزياء. خلال دقائق تتحول العاصفة إلى درس استقصائي في تاريخ الموضة المحلية، من الأسواق المركزية في بغداد إلى محل «المقص الذهبي» الذي كان حلم كل فتاة عراقية.
لكن مع أمي، الأمر مغرق بتفاصيل لا تخطر على بال إيلي صعب نفسه.
فأمي مصابة بداء الدانتيل. تعشقه كما لو أنه هواء الحياة. إذ لو حدث وصارت رئيسة جمهورية العراق، لأصبح شعار الدولة محاطًا بدانتيل «التول» من كل الأطراف، وصار النشيد الوطني: «أنا قلبي دانتيلا مش ممكن يتخلى». ولو أن البرلمان اجتمع تحت قبتها، لما احتكموا إلى الدستور، بل إلى بقايا قماش دانتيل محفوظة في أدراجها.
لم أعرف طفولتي إلا وأنا محشورة في طبقات من الدانتيل المتدرج من الأبيض إلى البيج. وحتى الآن، ما زالت تُدين ذوقي كلما ارتديت قطعة ثياب لم تمر عبر فلاترها الجمالية. هي امرأة لا ترى العالم إلا عبر خيوط دقيقة، مشبكة، شفافة، ثمينة، قابلة للتمزق لكنها تعيش أطول من كل شيء آخر.
هكذا هي أمي. تشبه كل الأمهات، وفي الوقت نفسه لا تشبه أحدًا. هي امرأة الدانتيل: الرقيقة الغاضبة، الحالمة الشرسة، الحائط الذي تتكئ عليه شكوى بناتها وجاراتها وصديقاتها دفعة واحدة، والرادار الذي يلتقط أسرارك من نظرة واحدة. لا يهم مستواها الدراسي رغم من أنها صيدلانية؛ فهي، مثل كل الأمهات، خبيرة بما يغذي الداخل (المطبخ) ويجمّل الخارج (الأزياء).
وهنا، حين أراقبها، أتذكر دومًا علاقة سيمون دي بوفوار بأمها.
دي بوفوار حين كتبت في مذكراتها أن الأم هي سجن الحرير، القفص الجميل الذي يُربيك ليُسجنك في الوقت ذاته. كانت أمها مهووسة بالفضائل المسيحية، بينما كانت سيمون ممسوسة بالحرية. التناقض أنتج شرارة لم تنطفئ. لكن خلف هذا التوتر كان هناك حب لا يُقال، حبّ يتسرّب من بين الكلمات مثل ضوء خافت يطلّ من ثوب دانتيل.
الأم عند بوفوار لم تكن مجرد امرأة محافظة تراقب سلوك ابنتها؛ كانت سلطة متحركة، ينبع منها خيط أثيري طويل يربط الابنة بحياة لا تريدها. تمامًا كما تفعل أمهاتنا هنا، اللواتي يعتقدن أن قطعة دانتيل على فستان قادرة على إنقاذ مستقبل ابنة من الطلاق، أو على الأقل من نظرات الجارات.
لكن تصوّر لو أن بوفوار عاشت في بيت عراقي، ورأت أمها تفرض الدانتيل فرضًا على كل ستارة وفستان وغطاء طاولة. ربما كانت ستكتب كتابًا جديدًا بعنوان: «الجنس الآخر تحت تهديد الدانتيل». كتاب يناقش ليس فقط كيف يُصنع قمع النساء بالسلطة الأبوية، بل أيضًا كيف يُزين بالقماش الناعم ليبدو جميلاً ومقبولًا.
أمهاتنا، مثل أم بوفوار، لا يتركن لنا مساحة للغموض. يعرفن كل شيء قبل أن نقوله. تستطيع أمي أن تكشف سرّي من طريقة شبك أزرار قميصي. تستطيع أن تترجم مزاجي من طريقة ربط شعري. إنهن «الفلاسفة السريون» للحياة اليومية، فلاسفة يملكون قدرة غامضة على ربط حبة العدس في قدر الطبخ بتاريخ الحب الأول الذي لم نجرؤ على الاعتراف به.
ورغم سخريتي، أعترف: نحن مدينون لهن.
بوفوار نفسها لم تكن لتصبح أيقونة الفكر النسوي لولا تلك العلاقة المتوترة مع أمها. فالأم تمنحك شيئًا ثمينًا: مادة خام للتمرد، للكتابة، للبحث عن ذاتك خارج القفص. وربما نحن أيضًا، أبناء الدانتيل، نصنع من غضب أمهاتنا وذوقهن المتسلط نسيجًا جديدًا من الأفكار والأيديولوجيات، يضحكنا ويبكينا في الوقت نفسه.
في النهاية، قد تظن أيها القارئ أنني أسخر من أمي. لكن الحقيقة أنني أعيد إنتاج حبها بلغة ساخرة. فالدانتيل، مهما بدا زائدًا، هو استعارة دقيقة للحياة نفسها: هشّ لكنه عنيد، رقيق لكنه يغطي الجروح، جميل لكنه لا يخلو من ثقوب.
ربما هذا ما أرادت أمي قوله من دون أن تدري:
الحياة لا تُعاش إلا بلمسة من الدانتيل، حتى وإن كنا، نحن أبناءها، نختنق أحيانًا تحت طبقاته الكثيفة.
ارتفاع الصادرات الأردنية وزيادة العجز التجاري في 2025
أسيل عمران وإسلام مبارك في دراما إنسانية جديدة
منح دراسية تشيكية للماجستير والدكتوراه لعام 2026-2027
تمكين الشباب الأردني بالمهارات الرقمية وفرص العمل
هل تعيد دينا الشربيني فتح ملف علاقتها بعمرو دياب
الملك يجري مباحثات مع رئيس أوزبكستان في سمرقند
ارتفاع أسعار البنزين وانخفاض الديزل والكاز عالمياً
صحفية كندية تستقيل احتجاجًا على خيانة غزة
فضل شاكر يرد على أنباء حفله المرتقب في القاهرة
أنشيلوتي يستبعد نجوم ريال مدريد من قائمة البرازيل
دراسة أميركية تربط اللحوم الحمراء بتلف الشرايين
حادث قيادة ذاتية يكلف تسلا تعويضًا ضخمًا
تعاون فني جديد بين عزيز مرقة وجوزيف عطية
ترفيع وإنهاء خدمات موظفين لاستحقاق التقاعد المبكر .. أسماء
التربية تحدد مواعيد الدورات التكميلية لجيل 2008
إعلان نتائج التوجيهي جيل 2008 إلكترونيًا وورقيًا نهاية آب
مهم بشأن موعد نتائج التوجيهي 2008
آلية احتساب معدل التوجيهي جيل 2008
مدعوون للامتحان التنافسي في شركة حكومية .. أسماء
إعادة تفعيل رابط المكرمة الملكية ليوم واحد
الجواز الإلكتروني الأردني متاح دون إلزام بتجديد القديم
تنقلات واسعة في أمانة عمان الكبرى .. أسماء
غرامات على المخالفين لوضع الحواجز في عمّان
خدمة العلم تعزز الانتماء وتمكين الشباب الأردني
قرار بتركيب أنظمة خلايا شمسيَّة لـ1000 منزل .. تفاصيل
مشاجرة في ماركا الشمالية تتسبب بإحراق مركبة والأمن يتدخل