التعاون في مجال الطاقة بين الأردن وسوريا

mainThumb

13-09-2025 07:35 PM

تمثل أزمة الطاقة واحدة من أكثر التحديات إلحاحاً التي تواجه سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، حيث دمرت البنية التحتية للكهرباء بشكل شبه كامل بعد سنوات من الصراع. في المقابل، يمثل قطاع الطاقة في الأردن قصة نجاح ملحوظة، خاصة في مجال الطاقة المتجددة، مما يخلق فرصة استراتيجية فريدة للتعاون الثنائي الذي يعود بمنافع جمة على الاقتصاد الأردني ويعزز أمن الطاقة السورية.

تعاني سوريا من نقص حاد في إمدادات الطاقة، حيث تعطلت محطات التوليد وشبكات التوزيع بسبب الدمار الهائل. أدى هذا النقص إلى اعتماد كبير على المولدات الخاصة باهظة الثمن، مما زاد من تكاليف الإنتاج على القطاعات كافة وأعاق أي جهود للتعافي الاقتصادي. إعادة تأهيل هذا القطاع ليست رفاهية، بل هي حاجة أساسية لتشغيل المستشفيات والمدارس والمنشآت الصناعية والمنازل.

على النقيض من الجار الشمالي، حقق الأردن طفرة في قطاع الطاقة، حيث تجاوزت قدرة التوليد الاحتياج المحلي، مما خلق فائضاً يمكن تصديره. لا تقتصر هذه الإمكانية على الطاقة التقليدية فحسب، بل تمتد إلى الطاقة الخضراء، إذ أصبح الأردن رائداً إقليمياً في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مستغلاً ظروفه الجغرافية المتميزة. يمكن لهذا الفائض أن يصبح سلعة استراتيجية للتصدير.

لا تقتصر الفرصة على بيع الكهرباء فحسب، بل تمتد إلى الاستثمار المباشر وتبادل الخبرات. يمكن للشركات الأردنية المتخصصة في هندسة الطاقة وتوزيعها أن تشارك في مشاريع إعادة تأهيل المحطات والشبكات السورية، كما يمكن إنشاء مشاريع مشتركة لبناء محطات توليد جديدة، خاصة المتجددة منها، في المناطق السورية القريبة من الحدود الأردنية، مما يقلل من كلفة النقل والخسائر الفنية.

تساهم مساهمة الأردن في استقرار قطاع الطاقة السوري بشكل مباشر في تعزيز الأمن القومي لكلا البلدين. استقرار إمدادات الطاقة في جنوب سوريا يعني تحسين الخدمات الأساسية للمواطنين، مما يشجع على عودة النازحين واللاجئين، وهو ما يخفف العبء الهائل عن الاقتصاد الأردني. كما أن التعاون في هذا المجال الحساس يبني جسوراً من الثقة ويعمق التكامل الاستراتيجي بين البلدين.

غالباً ما تركز برامج التمويل الدولي والدعم المقدم لسوريا على القطاعات الأساسية مثل الطاقة. يمكن للأردن، من خلال شراكاته الواسعة مع المؤسسات المالية الدولية، أن يقدم نفسه كشريك تنفيذي موثوق لمشاريع الطاقة الممولة دولياً. هذا لا يضمن دخولاً للشركات الأردنية فحسب، بل ويعزز مكانة الأردن كمركز إقليمي للخبرة والتطوير في مجال الطاقة.

سيساهم دخول الشركات الأردنية إلى السوق السورية في خلق فرص عمل للمهندسين والفنيين الأردنيين، كما سيوفر فرص تدريب ونقل للمعارف للكوادر السورية. هذا النقل التكنولوجي والإداري سيسرع من عملية إعادة التأهيل ويبني قاعدة من الكفاءات المحلية التي يمكنها إدارة وتطوير القطاع مستقبلاً.

رغم الإمكانات الواضحة، إلا أن هناك تحديات تتعلق بالأمن والتمويل والعقوبات الدولية. يتطلب التعاون الناجح ضمانات وحلولاً مبتكرة، مثل إنشاء صندوق استثماري مشترك تحت مظلة دولية لتجاوز عقبات التحويل المالي، والعمل على تأمين المنشآت والبنية التحتية للطاقة من خلال تعاون أمني وثيق.

يمثل قطاع الطاقة مجالاً خصباً للتعاون المربح للطرفين. من خلال رؤية واضحة واستراتيجية طويلة الأمد، يمكن تحويل التحدي السوري إلى فرصة أردنية لتحقيق عوائد اقتصادية ملموسة، وتعزيز الأمن الطاقي الإقليمي، وبناء نموذج ناجح للتكامل الاقتصادي الذي يخدم مصلحة الأردن الوطنية ويضع حجر الأساس لعلاقة تعاونية مستقبلية أعمق مع سوريا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد