المَحجة في بيان أن صريح النسب لا يُطالب في آبائه بالحجةَ

mainThumb

30-01-2014 02:53 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:


لقد دفعني لتأليف هذه الرسالة ما رأيته من تشويشات الأدعياء وتشغيبهم على أنساب الصرحاء بالجهل والكذب ونشر الشُبه في هذه الأنساب النقية الصريحة بشهادة أهل الجزيرة والعلماء، ومن تلك الشبه: مطالبة صريح النسب بالحجة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه، وهذا لعمرك جهل بعلم النسب وقواعده.


وقد تكلم في هذه المسألة أخينا النسابة إبراهيم الهاشمي الأمير في رده على الدَّعي "علاء الديروان الملقب نفسه زورًا بعلاء الموسوي" واستفدت مما أفاض به في هذه المسألة، فأحببت أن أفصل في هذه المسألة أكثر  وأحررها تحريرًا علميًاً على منهج أهل الحديث وجعلتها كما يلي:
1ـ تعريف الصريح .
2ـ شروط قبول النسب بلا حجة .
3ـ فصل ـ ( من هو الذي يطالب في آبائه بالحجة؟! ).
4ـ فصل ـ ( بيان منهج العلماء في قبول نسب الصريح بلا حجة في آبائه) .
ونسأل الله أن يوفقنا لكل خير ، ونشرع في البيان:
  1ـ  ( تعريف الصريح )
الصريح هو : الخالص من العيب .

قال الزبيدي : ( أي الرجل الخالص النسب ). ( تاج العروس ) ( 3313) .

واليوم قد اختلطت المفاهيم، حتى أصبح الدعي يقول بأن نسبه صريح!! .. ولكن بالتحقيق والغربلة يتبين الكذب من الصدق ويظهر الدَّعي من الصريح .
والفرق بين الصريح والدعي :

أن الصريح نقي النسب والشهرة، أي : لم يتكلم في نسبه علماء النسب المحققين.

وأما الدَّعي: فهو الذي تكلم فيه علماء النسب المحققين ، وتوفرت نواقض شهرته بذاك النسب.
        2ـ ( شروط قبول النسب بلا حجة تاريخية لبعض آبائه).

من الشروط التي يقبل النسابة المحقق ذاك النسب بلا حجة، هي :
1ـ الشهرة الصحيحة الخالية من الجرح القادح المفسر.
2ـ إقرار أهل النسب المحققين الثقات لهذا النسب .

وأقصد بـ (أهل النسب الثقات المحققين) العلماء أهل التنقير والتنبيش على منهج أهل الحديث في النسب، ولا نقصد الحواشين والذين يذكرون في تصانيفهم الغث والسمين والدعي والصريح.
  3ـ فصل ـ ( من هو الذي يطالب بالحجة التاريخية لبعض آبائه في نسبه ؟! ).

في هذا الفصل نبين الأمور التي يطالب فيها المرء بالحجة والبينة الشاهدة لبعض آبائه، وهي :
1ـ من أدعى أنه من آل البيت :

لهذا النسب أحكام خاصة تختلف عن بقية الأنساب لسؤدد هذه القبيلة في الجاهلية والإسلام وارتباطها بجدهم النبي الأكرم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، لا سيما أنه  مطمع عند الناس فلابدَّ من البينة والحجة لخاصية هذا النسب .

·     متى لا يطالب بالحجة  التاريخية في آبائه من أنتسب إلى آل البيت ؟!

 

لا يطالب من انتسب إلى آل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ  بالحجة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه إذا توفرت فيه : (الشهرة الصحيحة الخالية من النقض، السالمة من الجرح القادح، وعدم وجود الشُبهة).

وحتى لو كان هذا الشخص والذي توفرت في نسبه (الشهرة النقية الخالية من النقض، والسلامة من الجرح المفسر ، وعدم وجود الشبهة)  في سلسلة نسبه ممن لا يُعرف أو السقط والتضارب فلا يضر ذلك مالم تتوفر فيه (نواقض الشهرة)  وسلامة النسب من الحصر أو الميناث ، أي : سلامة العقب من الحصر في فلان .

 

ويكثر هذا النوع –اي صاحب الشهرة الصحيحة الخالية من النقض السالمة من الجرح القادح- في أشراف الحجاز الذين لم يبرحوا ديارهم منذ ولادة أبيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لا بل وحكموا الحجاز أكثر من ألف سنة، فلا يطالب من كانت هذه حاله بالحجة والبرهان عن آبائه البتة، وذلك لشدة عناية أشراف الحجاز بأنسابهم.

 

·       لماذا من توفرت فيه هذه الشروط من أهل الحجاز خاصة لا يطالب بالحجة ؟! .

الجواب: لشدة عنايتهم أشراف الحجاز بأنسابهم، وشهادة العلماء والمستشرقين لهم في هذه الخاصية.

قال المؤرخ السمهودي المدني  عن أشراف الحجاز : (فقبائلهم العارية عن عار الدخيل متكاثرة ، وبيوتهم السالمة من تطرق الغمز إليها متوافرة ، يأثرها الخلف عن السلف ، ولا يمترون فيمن حاز منهم نسبه الشريف من أن وسامته على وجوههم لائحة ونفحات أرجه من عرفهم فائحة ، ومن يقل للمسك أين الشذا ؟ أكذبه في الحال من شمه). ( جواهر العقدين ) ( 470 ).

وقال المستشرق شارل: (أشراف الحجاز عموماً ، ومكة على الخصوص ينظرون إلى أنفسهم ويُنظر إليهم على أنهم الأحفاد الحقيقيون للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن نسبهم هو الأكثر أصالة والأكثر توثيقاً ..). (رحلة إلى رحاب الشريف الأكبر ) ( 179 ) .

وقال المستشرق أرندنك في أشراف الحجاز: (وقد حُفظ النسب على أنقى صورة في غربي جزيرة العرب). (دائرة المعارف الإسلامية) ( 20/ 6245) .

وشهد العلامة المؤرخ عاتق البلادي الحربي الحجازي(ت1431هـ) بعناية أشراف الحجاز بأنسابهم، فقال عنهم: «أنساب الأشراف من أول تاريخ الإسلام عُيّن لها أمناء‏ يحفظونها خوفًا من الوالفين والدخلاء‏»، وقال عنهم: «إن الأشراف‏ يحتفظون بشجرات دقيقة وصحيحة عن أنسابهم تربط أصغر مولود منهم بالإمام علي‏ بن أبي‏ طالب رضي الله عنه‏«، وقال عنهم: «إن بعضهم‏ يحفظ هذا النسب فلان بن فلان إلى علي‏ وفاطمة عليهما رضوان الله». «رسائل  ومسائل» (1/107)، «معجم قبائل الحجاز» (ص 20)، «رسائل ومسائل» (2/68).

فالحفاظ على النسب وضبطه سمة غالبة على أشراف الحجاز، ومن العوامل التي ساهمت في ذلك بقاؤهم في‏ أرض الحجاز وعدم انتقالهم إلى المدن الإسلامية.

       ففي‏ الانتقال‏ يقع الاختلاط‏ غالبًا بالأجناس المختلفة عاداتها، أو المنفتحة التي‏ قد تُفقد هذه القبائل أو الأسر المنتقلة المحافظة على عاداتها ولهجاتها وأنسابها على مر السنين وهذا مشاهد،  أما أشراف الحجاز،‏ فبقاؤهم في‏ موطن ولادة ونشأة أبيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه جعلهم محافظين على عاداتهم وأنسابهم ولهجتهم العربية الأصيلة،‏ وهذا ما شهد به الرحالة البتنوني‏(ت‏1357هـ‏) لما رأى أشراف الحجاز محافظون على أصالتهم وعاداتهم ولم‏ يتغلب عليهم خُلق جديد بعد ذكره مجتمع مكة وما أصابه من اختلاط،‏ فقال: (غير أنك لا تلاحظ ذلك في‏ طبقة الأشراف التي‏ ترفَّعت عن هذا الخليط،‏ فلم‏ يدخل في‏ مادتهم‏ غريب،‏ ولم‏ يتغلب عليهم خُلق جديد،‏ بل خُلقهم هو بعينه العربي‏ البحت الذي‏ ورثوه عن أجدادهم وألفوه بما فطروا عليه من كريم العنصر وذكاء المحتد‏). «الرحلة الحجازية» (ص 42).

وهذه أنساب الأشراف الهواشم الأمراء وبعض الأشراف القتاديين وغيرهم بالحجاز قد وقع فيها من لم يأتي لآبائه ذكر في المصادر التاريخية، ومع ذلك قبل أنسابهم العلماء وشهدوا بصحتها وذلك لتوفر شروط الشهرة  في أنسابهم وسلامتها من النقض والجرح وعدم وجود الشبهة ، فلم يُطالب أهل النسب المحققين الحجة الشاهدة لبعض آباء الأشراف الهواشم  الأمراء وبعض الأشراف القتاديين وغيرهم من أشراف الحجاز اقتداءً بهدي العلماء المحققين.

ومن يقل للمسك أين الشذا ؟؟؟؟؟؟!!!!!

وقد صنَّف الأخ النسابة إبراهيم الهاشمي الأمير كتابا بين فيه مدى عناية أشراف الحجاز بأنسابهم  باسم: (عناية أشراف الحجاز بأنسابهم والمصنفات التي اعتنت بتدوينها).

 

·       هل كل من كان في الحجاز وانتسب لآل البيت لا يطالب بالحجة في آبائه؟!

 

لا ، بل يُنظر في أمره، فإذا كان نسبه مشهوراً في مشجرات وتواريخ مكة وأعلامها أو لدى نسابة الحجاز مشهور شهرة صحيحة فلا يُطالب بالحجة التاريخية الشاهدة على آبائه.

وأما إذا كان نسبه لم تتوفر فيه (شروط صحة الشهرة) و تواجدت فيه الشبهة  فيطالب بالحجة والبينة الشاهدة لبعض آبائه ولا يُترك أمره .

وقد يتواجد من الأشراف الصرحاء الباحثين أو القماشين من هو متساهل في قبول النسب، فيقبل أنساب مجروحة ويثبتها ، فهذا مما لا يُتابع عليه ولا يُلتفت لقوله، ويُطالب المنتسب بالبينة الصحيحة والنظيفة من القدح  والجرح.
2ـ الصوفية والشيعة :

يُعرف عن هذه الفرق اختلاق النسب والإدعاء إلى نسب آل النبي ـ رضوان الله عليهم ـ فقد زعم رجالات الصوفية كـ (البدوي ، الشاذلي ، النقشبندي، ,..... الخ)  النسب العلوي !! .. وكذلك الشيعة ورجالاتها .

فهذه الفرق موطن شبهة ، فلابد من مطالبتهم بالبينة والحجة والنظر في أنسابهم المتناقضة والمتضاربة وذلك لوضوح الكذب عندهم  ..

وهناك من الأشراف الصرحاء من هو صوفي وسني وشيعي لكن أنسابهم معلومة ومشهورة شهرة نظيفة سالمة من القدح والجرح .

أما هذه الفرق من أهل الزوايا والدروشة كالصوفية من البدوي والشاذلي والنقشبندي... الخ، فأنسابهم مجروحة وتكلم فيها أرباب النسب، والمنشئ لهذا الاختلاق هو فكر التصوف، وكذلك الشيعة ورجالاتهم .

فلابد من التحقيق ومطالبة الحجة والبينة . 

ولا يلتفت إلى المصنفات التي ذكرت أنساب هؤلاء وذلك لجهل أصحابها في علم النسب ، وبروز المذهبية فيها ، كالزبيدي اللغوي علامة باللغة لكنه عابث في انساب آل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ فلم يترك صوفياً إلا وألصقه بآل البيت !!!!!! ... وقد تكلمت على منهجه في ( كناشتي ) .

وقد صنّف الباحث محمد الصمداني رسالة طيبة في هذا الباب بعنوان: (ادعاء الصوفية لأنساب آل البيت ـ الأصول والمنطلقات) . 

وكذلك (الشيعة) فلا بد من المطالبة بالبينة والحجة ، فهم (موطن شبهة) لكثرة الإدعاء بينهم للنسب العلوي ومنهم علاء ديروان الملقب نفسه بالنسابة المحقق علاء الموسوي وهو كاذب في هذا، وكثير من أنساب الشيعة أعجمية تقرصنوا على النسب العلوي زوراً للخمس والتعظيم.

ومن أفضح دعوات الشيعة للنسب العلوي دعوة الصفويين زوراً للنسب العلوي، وألصقوا أنسابهم بـ (أحمد بن موسى الكاظم) وهو (ميناث) باتفاق النسابين الثقات الأوائل، ومع هذا يأتي ضامن بن شدقم ويفرد فصلاً بانتمائهم للدوحة الهاشمية!! وللباحث أحمد الكسروري الإيراني رسالة كشف فيها تخليط هؤلاء الصفويين وكذب ادعاءهم.

ولا يُلتفت لغالب نسابيهم لكثرة التناقض عندهم والبُعد عن الإنصاف والتحقيق إنما يغلب عليهم التمذهب جداً.

ولا نقصد بنسابة الشيعة المتقدمين كـ (ابن معية وابن عنبة وغيرهما) فهم وإن كانوا شيعة إلا أنهم أصدق صنعة  وأغير من نسابة الشيعة المتأخرين والذين أساءوا للنسب العلوي جداً.
3 ـ  بلاد المغرب العربي :
عُرفت هذه البلاد بكثرة ادعاء النسب ، فهي موطن شبهة فلابد من المطالبة بالبينة والحجة ، فقد قال المؤرخ ابن زيدان : ( كاد المغرب أن يكون شريفاً ) ( المنزع اللطيف ) .
وقد بين المؤرخ ابن خلدون في ( تاريخه ) كثير من ادعاءات أهل المغرب للنسب العلوي .
وكذلك تكلم المستشرق ألفرد بل في ( الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي ) عن قرصنة البربر للنسب العلوي ..
ومن نظر في أنساب أهل المغرب العربي وجد أن أغلب قبائلهم تزعم النسب الهاشمي ، وكأن المغرب العربي كله من الهواشم الأشراف !!!!  وخاصة صوفية المغرب من أهل الزوايا .
وإلا أين ذهبت أمة البربر ؟؟؟؟؟؟!!
فأنساب أهل المغرب فيهم أكثر من شبهة وهي : ( الموطن و التصوف ) وقد تكلمنا عن الموطن بنقل قول المؤرخ ابن زيدان وكذلك التصوف آنفاً ، ومن هنا فالواجب على النسابة المحقق أن يتحقق من أنساب المغاربة ويطالب بالحجج السليمة من النقض والشبهة والجرح . 
فلهذا من زعم النسب العلوي من بلاد المغرب أحواش البربر فلابد من المطالبة بالبينة والحجة ، والنظر في أنسابهم مع الحرص الشديد وذلك لأنها مواطن شبهة .
وما أكثر الأدعياء فيهم وأنسابهم المخرومة ، ولا يعتمد على كتب نسابة المغاربة كالعشماوي والناصري وغيرهم ، وذلك لتساهلهم المفرط وتناقضهم وجهلهم في مسائل التحقيق والغربلة .
ونسابة المغرب الثقات هم ( ابن عبدالبر وابن حزم والبتّي وابن خلدون ) بخلاف البقية فهم حواشين في الأنساب لا يعتمد عليهم وخاصة في أنساب آل البيت ـ رضوان الله عليهم ـ .
4ـ من انتسب للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ  :

يكثر ادعاء النسب واختلاقه للانتساب لصحابي جليل ، فلا بد من المطالبة بالحجة والبينة.

أما إذا عرف نسبه لأحد الصحابة الكرام في كتب أهل التحقيق ولم ينقضه نسابة أو يجرحه وأشتهر شهرة نظيفة صحيحة ولم تتواجد مواطن الشبهة فيه ، فهذا لا يطالب بالبينة حتى لو حصل في سند نسبه سقط أو اضطراب أو من لا يُعرف !! .

وسوف نوضح هذه المسألة عند بيان منهج العلماء الكبار في قبول هذه الأنساب التي توفرت فيها شروط الشهرة الصحيحة السالمة من النقض والجرح .

 

5ـ الانتساب إلى قبائل العرب .

يكثر انتساب بعض الأدعياء إلى قبائل العرب إما طلباً للرزق أو شهرة وجاه أو التخفي ونشر المذهب !! .

وقد تكلمت في هذه المسائل في رسالتي ( طبقات الأدعياء) .

فمن كانت له شهرة سالمة من الجرح والنقض في أنه من قبيلة كذا وأقرها البيت المُنتسب إليه وأرباب النسب من أهل التحقيق فلا يطالب من كانت هذه حاله بالبينة .

وأما من لم تتوفر فيه هذه الشروط من سلامة الشهرة من النقض والجرح فيطالب من كانت هذه حاله بالبينة والبرهان .
مدخل:

لابد أن نبين (مسألة الطعن المعتبر والغير معتبر) وذلك لأن من عادة الأدعياء الطعن في أنساب الصرحاء كردة فعل لأن الصريح طعن في دعواه!!

فالطعن المعتبر: هو ما كان بالحجج والبراهين من أقوال أهل التاريخ والنسب.

والطعن الغير معتبر: هو ما كان خالياً من البراهين والحجج من أقوال أهل التاريخ والنسب، وهذا يتفنن به الأدعياء من الطعن في الصرحاء وعلماء النسب على الشبكات العنكبوتية بأسماء مستعارة اليوم ، وهؤلاء أوقعوا أنفسهم بـ (كبيرة الطعن في الأنساب) .

 

ولهذه المسألة شروط وضوابط ، وسوف نبين هذا بالتفصيل :
1ـ ( شروط الطعن ) :

أ ـ أن يكون الطعن بعلم وبراهين من أقوال أهل النسب الثقات ، وإن كان غير ذلك فهذا لا يقبل وهو من ( الطعن في الأنساب ).

ب ـ أن يكون الطاعن ثقة وعلى دراية وإتقان بعلم النسب لا مجهول ( الحال و العين ) .

2 ـ ( متى يُقبل الطعن ويؤخذ به من غير البراهين والحجج  ؟! ) .

الطعن لابد أن يكون بحج وبراهين من أقوال العلماء  وغير ذلك لا يقبل البتة  باستثناء :

أ ـ  إذا كان الطعن من نسابة أو مؤرخ ثقة مُتقن  معروف عند علماء النسب الثقات ولا يخالف الثقات:  فهنا لا يحتاج أن يُفسر جرحه لثقته وأمانته .

ب ـ بلدي الرجل  : فالبلدي أعلم من غيره في نسب بلديه، فيؤخذ بقوله ما لم يُعهد بينهم خصومة، فإذا تُحقق بأن بينهم خصومة فلا يؤخذ بقوله تورعاً وخوفاً أن يكون هذا الطعن من باب الخصومة، ولكن يستأنس به إذا توفرت القرائن من أقوال علماء النسب ، وأما إذا لم تتوفر القرائن فيُترك ولا يؤخذ بقوله .

ج ـ أهل البيت : قول أهل البيت حجة قوية  مثل : قول الخال والعم وأبناء العم وأبناء الخال أو إجماع القبيلة.
مسألة : ( المثبت مقدم على النافي ) :

هذه القاعدة فيها تفصيل :

1 ـ إذا كان المثبت يثبت نسبه بأقوال قد نقضها أهل التاريخ والنسب فهذا ليس بمثبت أبداً .
2ـ إذا كان المثبت يثبت نسبه بأقوال قد أنفرد أصحابها عن سواد أهل التاريخ والنسب ، فهذا ليس بمثبت ، ومثال ذلك :
رجل أثبت نسبه للصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح بقول أحد العلماء ، فهذا ليس بمثبت ولا يصح نسبه لمخالفة سواد العلماء والذين أثبتوا بأن الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح قد درج عقبه .
3ـ إذا كان المثبت يثبت نسبه بأقوال حديثة تُخالف أقوال العلماء قديماً فهذا ليس بمثبت .
4 ـ إذا كان المثبت يثبت نسبه بأقوال خرافية فهذا ليس بمثبت ، وقد بين هذا مؤرخ عصره الحافظ الذهبي عند ترجمة ( مجنون ليلى ) كما في ( سير أعلام النبلاء ) ( 4/3 ) حيث قال : (وقد أنكر بعضهم ليلى والمجنون !! وهذا دفع بالصدر ، فما من يعلم حجة على من عنده علم ولا المثبت كالنافي ، لكن إذا كان المثبت لشيء شبه خرافة والنافي ليس غرضه دفع الحق فهنا النافي مقدم ، وهنا تقع المكابرة وتسكب العبرة .. ).

 
4ـ فصل ـ ( بيان منهج العلماء في قبول عمود نسب الصريح بلا حجة تاريخية لبعض آبائه)

لقد جمعت أقوال كبار أهل التحقيق في قبولهم أنساب الصرحاء دون المطالبة بالحجة والبينة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه، وذلك لسلامة أنساب هؤلاء من النقض والجرح وشهرتها النظيفة والسليمة ، أما دعي النسب الذي لا شهرة له بذاك النسب فهم يطالبونه بالبينة على دعواه والحجة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه، ومن قرر هذه المسألة من العلماء الكبار:
1ـ الخطيب البغدادي .
2ـ النسابة ابن الجواني .
3ـ الحافظ ابن عساكر .
4ـ  المؤرخ ابن الدبيثي .
5ـ ابن العديم .
6ـ النسابة المروزي .
7ـ الحافظ المؤرخ الذهبي .
8ـ الحافظ المؤرخ تقي الدين الفاسي .
9ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني .

ونشرع الآن في بيان مناهجهم الدالة على عدم مطالبة صريح النسب صاحب الشهرة الصحيحة بالحجة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه.

 
  1ـ ( منهج الخطيب البغدادي ) .

قال الخطيب البغدادي في ( تاريخه ) ( 11/ 585 ) في ترجمة علي بن محمد القرشي : (علي بن محمد بن أحمد بن سليمان أبو عامر القرشي، أملى علي نسبه، فقال: أنا علي بن محمد بن أحمد بن سليمان بن منصور بن عبد الله بن محمد بن منصور بن موسى بن سعد بن عبد الله بن مالك بن أنس بن عبدة بن جابر بن وهب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب ) .

قلت: أقر الخطيب البغدادي رواية نسب " علي بن محمد القرشي " ولم يطالبه بالحجة والبينة، وذلك لسلامة هذا النسب من النقض والجرح وتوفر الشهرة الصحيحة.

وقد تكلم الخطيب البغدادي في نسب القاضي طلحة بن محمد البصري وبين أنه مجروح النسب ، كما في ( تاريخه ) ( 10/ 481) حيث قال : (طلحة أبو القاسم القاضي البصري، يذكر أن أباه محمد بن جعفر بن أحمد بن تمام بن علي بن المطلب بن محمد بن السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب.

وبلغني أن القاضي أبا عمر بن عبد الواحد وقومًا هاشميين من أهل البصرة أنكروا نسبه وزعموا أنه دعي، وأن أبا العباس بن عبد السلام وسمه بالبصرة ) .

قلت : وهذا يبين لنا منهجية الخطيب البغدادي في إقرار نسب الصريح وعدم مطالبته بالبينة التاريخية الذاكرة بعض آبائه وجرح الدعي والغير صريح النسب .

 
 2ـ ( منهج النسابة ابن الجواني ) .

ذكر ابن رجب في ( ذيل طبقات الحنابلة ) ( 1/27 ) عند ترجمة " عبد الواحد بن محمد الشيرازي المقدسي "  : ( قرأتُ بخط جده ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم قال: كتبتُ إلى الشريف النسَّابة ابن الجواني كتابًا إلى مصر أسأله: هل نحن من ولد قيس بن سعد أو من أخيه؟ فجاءني خطه في جزء يقول: قيسُ بن سعد انقرض عقبه. وحكاه عن جماعة من النسابين، مثل ابن شجرة وابن طباطبا وغيرهما. وقال: إنما أنتم من ولد أخيه عبد العزيز بن سعد بن عبادة ... ).

قلت : فانظر إقرار النسابة ابن الجواني لنسب عبد الواحد الشيرازي المقدسي مع وضوح خلل نسب الشيرازي المقدسي حين ربط نسبه بـ (قيس بن سعد) وقد أنقرض عقبه ، لكن أقر النسابة ابن الجواني هذا النسب وذلك لتوفر الشهرة الصحيحة والخالية من القدح والنقض وربط نسبهم إلى أخيه عبد العزيز بن سعد بن عبادة وذلك للشهرة الصحيحة والتي توفرت فيها كل الشروط .

ومع أن النسابة ابن الجواني لا يتابع فيما ينفرد فيه  فلم يعترض العلماء على كلامه بل أقروه ، كما قال ابن رجب في ( الذيل ) ( 1/27) : (وهذا يدل على أن " الناصح " لم يكن يعرف نسبهم إلى سعد، ولا ذكر أن النسابة كتب له ذلك، وإنما كتب له نسب سعد إلى آدم، وأيضًا فقد قال له: أنتم من ولد عبد العزيز بن سعد بن عبادة. وفي هذا النسب المذكور: عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة. وهذا مخالف لما قال ابن الجواني ، لكن ذكر " الناصح " أن أباه وجماعة من العلماء اجتمعوا ليلةً عند السلطان صلاح الدين في خيمة، مع الشريف الجواني هذا، فقال السلطان: هذا الفقيه - يشير إلى والد " الناصح " - ليس في آبائه وأجداده صاحب صنعة إلا أمير أو عالم إلى سعد بن عبادة. وهذا يدل على أنه كان يعرف نسبهم إلى سعد بن عبادة. والله أعلم).

فانظر إلى اقرار الحافظ ابن رجب لشهرة نسب الشيرازي المقدسي عند النسابة ابن الجواني .

في حين أن النسابة ابن الجواني شنَّع على نسب أبي الحسن الإدريسي حين أملى عليه نسبه، فقد أورد ابن العديم في ( بغية الطلب ) ( 1/463)  قول النسابة ابن الجواني في نسب أبي الحسن الإدريسي : ( ووقفت على تعليق بخط محمد بن أسعد الجواني، وفي حاشية منه في ذكر أبي الحسن الإدريسي، أملى علي نسبه فقال: أنا إدريس بن الحسن بن علي، فذكر نسبه كما سقناه أولاً، ثم قال ابن الجواني فيما كتبه بخطه: يقال له ابن أخت الشريف المحنك، قال فيه نقيب النقباء بحلب الشريف القاضي أمين الدين بخطه على الجريدة التي سلمها لي على اسم المذكور ثبت نسبه بكتاب نسيب الملك ثم عاد نسيب الملك توقف وكتب محمد بن أسعد الجواني فوق ترجمته دعي ثم وقع لي كتاب محمد بن أسعد بن الجواني صنفه في نسب بني إدريس وسمه بالمنصف النفيس في نسب بني إدريس، فقرأت فيه: وممن أدعى إلى بني يحيى بن يحيى بن إدريس بن إدريس على نسق من تقدم ذكره من ذوي التدليس من بربر الغرب المجاورين للبطن المذكورة، دعي مقيم بحلب يدعى عز العرب، ويسمى إدريس بن حسن ......).

قلت: فانظر رحمك الله كيف أقر النسابة ابن الجواني نسب الشيرازي المقدسي رغم وضوح الخلل في نسبه، وتكلم على نسب أبي الحسن الإدريسي وجرحه  وقال أنه دعي من بطون البربر .. والنسابة ابن الجواني من العارفين بأنساب المغرب .

ومما يبين معرفة النسابة ابن الجواني للنسب قوله : (وقد كان أمري في نظر الأنساب وتذييل الأعقاب مذ سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وللمذكور إذ ذاك من العمر سنتان، فلم يكن لأبيه ولا له في رهطهم ثبوت في المنتسبين، بل كان أمرهم يجري مجرى أمثالهم من الأدعياء المسببين). ( بغية الطلب ) ( 1/463) .

فهذا النسابة ابن الجواني يعلم أن صريح النسب لا يطالب بالحجة التاريخية الذاكرة بعض آبائه كما ذكرنا آنفاً عند نسب الشيرازي ، ويطالب بالحجة ويشنع ويجرح غيره ممن لم تتوفر فيه شروط صحة النسب كما في حديثه على نسب أبي الحسن الإدريسي .

 

  3ـ ( منهج الحافظ ابن عساكر ) .

ذكر الحافظ ابن عساكر نسب محمد بن عبد الواحد الأموي الأندلسي ، كما في ( تاريخه ) ( 54/ 151 ) حيث قال : (محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن عيسى بن عبد الرحمن بن عطية ابن عبد الرحمن بن الناصر بن المنذر بن عبد الله بن الحكم بن هشام ابن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان أبو عامر الأموي الأندلسي المري قرأت نسبه هكذا بخط أبي محمد بن صابر وذكر أنه سأله عن نسبه فذكر له هذا النسب .. ) .
وقد تكلم الحافظ ابن عساكر في نسب معروف ، ولم يقره ، كما في ( تاريخه ) ( 59/352 ) حيث قال : ( قال الخطيب وحدثني يحيى بن الحسين العلوي الرازي وكان فاضلا صادقا قال سمعت أبا سعد السمان يقول طعن الناس في نسب معروف هذا وذكروا أنه ادعى النسب إلى مالك الأشتر وأشار إليه إلى أنه لم يكن ثقة ) .
قلت : أقر الحافظ ابن عساكر عمود نسب الأموي الأندلسي ولم يتكلم فيه ، في حين أنه ذكر أقوال أهل العلم في نسب معروف وأنه دعي ..
   4ـ  ( منهج المؤرخ ابن الدبيثي ) .

أقر المؤرخ ابن الدبيثي عمود نسب علي بن أحمد الحسني ولم يطالب بالبينة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه ولم يتكلم فيه، كما في ( ذيل تاريخ بغداد ) ( 140) : (علي بن أحمد بن محمد بن عمر بن مسلم بن عبيدالله بن الحسن بن الحسين بن محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب، أبو الحسن العلوي الحسنى الزيدى نسبًا الشافعي مذهبًا؛ كذا رأيت نسبه بخط يده).

وكذلك أقر المؤرخ ابن الدبيثي نسب عرفة بن حمدويه ولم يطالبه بالبينة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه ولم يتكلم في نسبه ، كما في ( ذيل تاريخ بغداد ) ( 4/511) : (عرفة بن علي بن الحسن بن علي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن حمدويه بن دينار بن شبلمة بن قذهرمز بن آه بن أوه بن أشك بن شكدك بن زاذان بن فروخ بن نيغان بن زاذن فروخ الأكبر، أخو يزدجرد ملك الفرس؛ هكذا أملى علي نسبه هذا من حفظه ) .
قلت : أقر المؤرخ ابن الدبيثي عواميد هذه الأنساب ولم يتكلم عليها ولم يطالب أصحابها بالبينة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه، في حين أنه تكلم في أنساب آخرين لم تتوفر في أنسابهم الشهرة الصحيحة والسالمة من النقض والمخالفة والجرح ، كما تكلم في نسب العباسي الرشيدي كما في ( ذيل تاريخ بغداد ) ( 1/111) قال  : (محمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الصمد بن القاسم الملقب بالمؤتمن ابن الرشيد أبي جعفر هارون ابن المهدي أبي عبد الله محمد ابن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو العباس الهاشمي الرشيدي الضرير .
هكذا أملى عليَّ نسبه من حفظه، وهذا النسب عند أهل المعرفة بالأنساب لا يصح؛ لأن القاسم ابن الرشيد الملقب بالمؤتمن لم يعقب ذكرًا بل توفي عن بنتٍ واحدة. كذا سمعته ممن له معرفة بهذا العلم، والله أعلم).

وكذلك تكلم المؤرخ ابن الدبيثي في نسب أبو الخطاب الكلبي كما في ( الذيل ) ( 40 ) حيث قال : (عمر بن حسن بن على بن محمد بن فرح بن خلف بن قرمين بن ملال بن مزلال بن أحمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبى، أبو الخطاب، هكذا أملى علينا نسبه؛ وليس نسبه بصحيح فيما بقوله ودحية لم يعقب) .

قلت : وهذا هو منهج المؤرخ ابن الدبيثي في إقرار وقبول نسب الصريح دون المطالبة بالحجة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه، وتكلم في أنساب الأدعياء ممن لم تتوفر في أنسابهم الشروط التي توفرت في أنساب الصرحاء .
  5ـ ( منهج ابن العديم ) .

قال ابن العديم في ( بغية الطلب ) (2/123) في ترجمة " الحسين بن علي بن أبي الحسن المغربي " : (الحسين بن علي بن الحسين ابن علي بن محمد بن يوسف بن بحر بن بهرام بن المرزبان بن باهان بن باذام ابن بلاش بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام بن جور، أبو القاسم بن أبي الحسين بن أبي القاسم بن أبي الحسن المغربي، هكذا قرأت نسبة بخطه ...) .

قلت : أقر ابن العديم عمود النسب هذا ولم يُطالب أبي الحسن المغربي بالشاهد التاريخي لبعض آبائه أو تكلم فيه وذكر أقوال لأهل النسب يقدحون في نسبه ، في حين أن ابن العديم تكلم على نسب " أبو العباس أحمد بن عبدالله " كما في ( البغية ) ( 1/300) :  (وكثير مما يقع الاختلاف في اسمه ونسبه، واسم أخيه الذي قبله علي بن عبدالله ، وبعضهم يسمي أخاه محمد بن عبدالله بن يحيى ، والصحيح أن الذي ثبت عليه في اسمه ونسبه : أبو العباس أحمد بن عبدالله ، وهو دَّعي ..) .
  6ـ ( منهج النسابة المروزي ) .

قال النسابة المروزي في (الفخري) (ص 5): (حمزة بن الشريف الرضا انتقل إلى بلغار ابن محمد بن أبي عبد الله بن الحسين بن المهدي بن جعفر بن محمد بن عيسى بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني. وأملى علي نسبه وترك بعض الأسماء).

وقال أيضاً ( ص 9): (وعقب أبي طالب الكبير هذا بمرو سادات محتشمون ، ولا شك في صحة نسبهم من بني عبيد الله الأمير ، إلا أنه وقع الاختلاف في انتماء جدهم أبي طالب إليه أنه من بني الأدرع أو من بني أخيه أبي عبدالله بحمد والله أعلم) .

قلت : أقر النسابة المروزي نسب حمزة بن الشريف الرضا وكذلك عقب أبي طالب الكبير ولم يتكلم فيهم أو يطالب بالبينة ، في حين أنه تكلم في غيرهم كما في ( الفخري ) (ص4) : (وانتمى إلى القاسم بن ظاهر بعض الأدعياء من الري وتوفي منقرضا بحمد من الله).

وكذلك سكت النسابة المروزي في أنساب "السرخسيين" وذكر أنه يبحث عن أحوالهم بالبينة والحجة ، كما قال في (الفخري) (ص 12) : (وانتمى إلى ابنه من جهة الحسين بن يحيى السرخسيين ، ولا أحكم الساعة عليه بالنفي ولا بالإثبات ، وأنا من وراء البحث عن حاله) .

قلت : يتبين لك أخي القارئ كيف أقر النسابة المروزي نسب حمزة بن الشريف وكذلك عقب أبي طالب الكبير ولم يطالبهم بالبينة أو يبحث عن أحوالهم ، وذلك لأنهم صرحاء ، في حين أنه توقف في نسب السرخسيين وذكر أنه يبحث عن حاله، أي: التفتيش عن الحجة والبينة.

 
  7ـ ( منهج الحافظ المؤرخ الذهبي ) .

أورد النعيمي الدمشقي  في ( الدارس في تاريخ المدارس ) ( 460 ) عند ترجمة أبي المحاسن الحسيني الدمشقي: (وقال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة في شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسين ابن السيد علاء الدين أبو الحسن علي ابن المحدث المؤلف أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن أبي المحاسن محمد ابن ناصر الدين بن علي بن الحسين بن إسماعيل بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنهم، هكذا ذكر هذا النسب أبو عبد الله الذهبي في المعجم المختص في ترجمة والده إلا أنه سقط عليه الحسين بن حمزة بن علي ...) .

قلت : أورد هذا النسب الحافظ الذهبي في ( المعجم المختص ) كما نقله عنه  النعيمي ، وأقره رغم سقوط بعض الأسماء من سلسلة النسب ، وكذلك أقروا هذا النسب غيره من العلماء .


فقد أقر الحافظ الذهبي نسب أبي المحاسن الحسيني رغم أن سلسلة نسبه فيها سقط ، ولم يطالبه بالبينة أو تكلم عليه بجرح ، في حين أن الحافظ الذهبي تكلم على نسب أبي الخطاب الكلبي وأبطل نسبه بسبب السقط في نسبه وعدم الشهرة الصحيحة بهذا النسب وأن دحية الكلبي ـ رضي الله عنه ـ لم يعقب ، كما قال في ( ميزان الاعتدال ) ( 3/ 186 ) : (عمر بن الحسن ابن دحية الأندلسي، نسب نفسه فقال‏: عمر بن حسن بن علي‏ بن محمد بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن أحمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبي؛ فهذا نسب باطل لوجوه:

أحدها: أن دحية لم‏ يُعقب‏.

الثاني‏: أن على هؤلاء –أي الأسماء- لوائح البربرية‏.

وثالثهما‏: بتقدير وجود ذلك قد سقط منه آباء،‏ فلا‏ يمكن أن‏ يكون بينه وبينه عشرة أنفس‏ ..)

 .

قلت : فانظر رعاك الله كيف أن المؤرخ الذهبي لم يطالب أبي المحاسن الحسيني بالبينة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه رغم سقوط بعض الأسماء من نسبه ومع هذا فقد أقره ولم يتكلم عليه بجرح ، وذلك لسلامة نسب أبي المحاسن من نواقض الشهرة وقوادحها ، وتكلم المؤرخ الذهبي على نسب ابن دحية الكلبي وأبطله وجرحه وذلك لعدم توفر شروط  صحة نسبه وتوفر النواقض والقوادح والمخالفات فيه ، فلم تكن له شهرة نظيفة خالية من النقض والجرح كما لأبي المحاسن الحسيني .
 8ـ ( منهج الحافظ المؤرخ تقي الدين الفاسي ) .

قال الحافظ الفاسي في ( العقد الثمين ) ( 2/ 270 ) : (محمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن عُتبة بن إبراهيم بن أبي خداش بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي الهاشمي ، إمام الحرم ؛ هكذا نسبه ابن المقرئ ، وفي هذا النسب نظر ، لأن فيه سقطاً وتخبيطاً ، وصوابه : محمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن عُتبة بن إبراهيم بن أبي خداش بن عُتبة بن أبي لهب ، واسمه : عبدالعزى بن عبدالمطلب بن هاشم ، كما ذكره صاحب (الجمهرة) أبو محمد بن حزم الحافظ النسابة ، كما نسب أباه محمد بن أحمد) .

قلت : صحح الحافظ الفاسي هذا النسب وبين صوابه ، ولم يتكلم فيه أو يطالب صاحبه بالحجة لتخبط النسب ! . بل كما قرأت قد صححه وبين صوابه ولم يطعن فيه ويجرحه ، وذلك لتوفر شروط شهرة نسبه وخلوها من النواقض والمخالفة .

في حين أن الحافظ الفاسي تكلم في أنساب غيره وجرحها ، كما ذكر ذلك في ( العقد الثمين ) ( 2/ 94) حيث قال : (محمد بن عبدالله المعروف بالحلبي المكي الحنفي المعروف بأبي شامة ، كان ينتسب إلى بني شيبة ـ حجبة الكعبة ـ طلباً للرزق ، وربما انتسب إلى غيرهم من أعيان مكة ، طلباً للرزق في بعض البلاد) .

وكذلك قال الفاسي في ( العقد الثمين ) ( 2/ 94 )  عند محمد بن علي بن يوسف بن خواجا المكي : (ادعى أنه شريف حُسيني) .

قلت: تبين لك أخي القارئ كيف أن الحافظ الفاسي صحح نسب محمد بن محمد وبين صوابه وأقره ولم يطالب بالبينة ، وكيف جرح نسب الحلبي المكي ومحمد بن خواجا وبين أنهما أدعياء .

 

9  ـ ( منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني ) .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة) ( 2/ 671 ) عند ترجمة حسام بن أبي فرج أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت بن عثمان بن محمد بن عبدالرحمن بن ميمون بن محمود بن حسام بن ميمون بن يوسف بن اسماعيل بن حماد بن بن أبي حنيفة الفرغاني النعماني ، ما نصه : (وقد قرأت نسبه بخطه) .

قلت : قد أقر الحافظ النسابة المحقق ابن حجر العسقلاني نسب حسام بن أبي فرج بن أبي حنيفة النعماني ، في حين أنه لم يقر نسب تاج الدين والد " حميد الدين الفرغاني " كما في ( أنباء الغمر ) ( 1/678 ) حيث قال : (وكان تاج الدين والد هذا ـ أي حميد الدين الفرغاني ـ يدعي أنه من ذرية الإمام أبي حنيفة وأملى لنفسه نسبا إلى يوسف بن أبي حنيفة يعرف من له أدنى ممارسة بالأخبار تلفقه ..) .

قلت: وهذا مثال عزيز في نسب واحد ، حيث أقر الحافظ ابن حجر العسقلاني نسب حسام بن أبي فرج إلى أبي حنيفة ولم يطالبه بالبينة أو تكلم فيه ، لكنه تكلم في نسب تاج الدين الفرغاني وبين أنه دعي أختلق له نسبا لأبي حنيفة.

وهنا يتضح لك أخي القارئ من هذا المثال العزيز في أن صريح النسب لا يطالب بالبينة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه، بخلاف الدعي فهو مطالب بالبينة والبرهان.
وفي الختام أقول : تبين لك أخي القارئ منهج كبار العلماء المحققين في عدم مطالبة صريح النسب بالحجة والبينة التاريخية الشاهدة لبعض آبائه، في حين أنهم تكلموا في أنساب آخرين وجرحوها وأبطلوها لفقدان هذه الأنساب للشهرة الصحيحة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد