فوضى المواقع الإخبارية

فوضى المواقع الإخبارية

30-09-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبو رياش

إن انتشار المواقع الإخبارية التي تُعنى بالشأن الأردني أمر يثلج الصدر، وهذا يدل على حيوية وفاعلية في المجتمع، وارتفاع وتيرة الاهتمام بالقضايا المحلية ومتابعتها. ولكن دعونا نعترف أن هذا العدد الكبير الذي يزيد عن ستين موقعاً والمرشح للزيادة المستمرة أمر غير مريح ويشير إلى صناعة منابر إعلامية شكلية في الغالب، وتهدف إلى خدمة أهداف محددة، ويشجع على ذلك الكلفة المتدنية لنشر هذه المواقع والمردود المادي الذي يغطي التكاليف في أسوأ الظروف.

هذا العدد الكبير للمواقع الإخبارية يمكن أن يطلق عليه (فوضى المواقع الإخبارية) لأنه لا يدل بحال على عافية، بل يدل على تورم أرجو أن يكون حميداً. وفي هذا السياق ورغبة في تسليط الضوء على هموم ومشاكل المواقع الإخبارية، أستعرض بعضاً من القضايا المهمة:

أولاً: فقدان الهوية: حيث يلاحظ أن أغلب المواقع تفتقد إلى هوية محددة تميزها عن غيرها، بل تجد تشابهاً إن لم يكن استنساخاً لكثير من الموضوعات، ما عدا قلة قليلة من المواقع الجادة والمتطورة، وأزعم أن تصفح خمسة مواقع يغنيك عن بقية المواقع دون أن يفوتك شيء على الإطلاق.

ثانياً: التحديث: إن حداثة المعلومات والموضوعات والأخبار من أهم عوامل انتشار الموقع وجذب المتصفحين وزيادة عدد زواره، وللأسف نجد عشرات المواقع تتصف بالجمود والقدم والترهل، ويبقى محتواهاً قديماً إلا من خبر عابر، وبلغ الأمر ببعضها أن الخبر يبقى لفترة طويلة فيصبح الخبر مضحكاً، فبعض المواقع مثلاً بقي خبر قرب صدور نتائج الثانوية العامة إلى ما بعد صدورها بشهر، ويفترض في هذه الحالة أن تراعي المواقع أن الخبر الأحدث يلغي أي خبر سابق في الموضوع نفسه.

ثالثاً: الشكل والمضمون: تنشر بعض المواقع مقالات الزملاء الكتاب دون أي تدقيق على مستوى اللغة والصياغة وترابط الأفكار، ناهيك عن ضعف المحتوى، فتخرج المقالات بائسة ركيكة باهتة مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية، وهذا يتطلب أن تهتم المواقع بما ينشر على صفحاتها لأنه يعكس صورة عنها، ولا يجب تحت أي ظرف كان التهاون بالشكل والمضمون لغايات السبق وسرعة النشر.

رابعاً: الإثارة: تسعى بعض المواقع لنشر موضوعات مثيرة رغبة في جذب أكبر عدد ممكن من القراء، وهذا مقبول إن كانت الموضوعات حقيقية، ولكن للأسف تسعى بعض المواقع للتضخيم والنفخ في الموضوعات وفبركتها أحياناً ليخرج الموضوع بأكبر قدر ممكن من الإثارة وهو أشبه ببالون فارغ، سرعان ما تكتشف أنه موضوع بسيط عندما تقرأه، ولذا على المواقع أن تتجنب الإثارة الفارغة لأنها بذلك تسيء إلى نفسها وإلى زوارها، ولا بد من الإشارة إلى أن الاتكاء على أخبار الوسط الفني وصور الإثارة لا يخدم الموقع، فهو قد يزيد من انتشار الموقع مؤقتاً، ولكنه سيفقد الاحترام والتقدير من شريحة واسعة ستشكل بالتأكيد دعاية مضادة للموقع، وفي السياق نفسه فإن تصيد أخبار معينة لبعض الأطراف أو الجهات التي تجد متابعة كبيرة من القراء يصب في الاتجاه نفسه، ولا بد أن تكون الدقة والمصداقية هي المعيار الأساسي لأي خبر ينشر.

خامساً: الموضوعية والتوثيق: تمارس كثير من المواقع الإخبارية سياسة نشر الأخبار دون الإشارة إلى مصدرها وصاحب الحق فيها، ولذا تجد الخبر نفسه في أكثر من موقع وكل موقع يشير إلى أنه المصدر الأساس، وهذا يطعن في مصداقية المواقع وموضوعيتها، فتوثيق الخبر من أكبر العوامل التي تمنح الموقع المصداقية والموضوعية، ولا أظن أن الإشارة إلى المصدر يعيب الموقع أو يقلل من أهميته.

سادساً: الردود والتعليقات: إن الرد على أي موضوع من حق أي قارئ، ولكن يفترض أن يكون الرد متعلقاً بالموضوع، ولذا يقع على عاتق الموقع أن يفلتر الردود والتعليقات بنشر ما يتعلق بالموضوع مهما كان قاسياً أو معارضاً، وحذف أي رد يخرج عن الموضوع أو يتعلق بالكاتب وإن كان مدحاً، فحرية التعبير تكمن في تقيد الرد بالمضمون.

سابعاً: الرأي والرأي الآخر: كنا وما زلنا نتهم الحكومات بقمع الرأي الآخر وحجبه بكافة السبل الممكنة، وللأسف إن بعض المواقع الإخبارية أكثر قمعاً من الحكومة أيام كان هناك قمع، فتجد هذه المواقع تنشر المقالات التي تؤيد توجهها وتعظم منجزاتها وتبشر بنهجها وتسبح بحمدها، وتمتنع عن نشر كل ما يخالف ذلك، وهذا يؤشر إلى حالة خطيرة بممارسة القمع على بعضنا البعض، فما نعيبه على الحكومات نقترفه بكل أريحية وبرود وبأسوأ صورة.

ثامناً: الكتاب الإلكترونيين: يقوم كثير من الكتاب الإلكترونيين وأنا منهم بإرسال المقالة نفسها إلى مواقع عديدة رغبة في نشر إنتاجهم على أكبر رقعة، وحباً في إبراز فكرهم وهذا حق لا ينكره أحد، ولكن هذا الوضع غير مستساغ أن تجد المقالة نفسها على عشرة مواقع أو أكثر، وأرى أن يتفق كل موقع مع عدد معين من الكتاب الإلكترونيين لحصر نشر مقالاتهم بها وفق آلية مناسبة تكفل حقوق الطرفين.

تاسعاً: كتاب الصحف اليومية: إن من حق كل موقع أن ينشر لكتاب معروفين بنقل موضوعاتهم من الصحف اليومية رغبة في جذب القراء وتسويق الموقع، ولكن أن تنشر للكاتب ما هب ودب دون تمحيص واختيار فقط لأن اسم الكاتب ماركة معروفة فهذا حسب ما أرى يخالف الموضوعية والجدية التي يجب أن تتسم بها المواقع المميزة.

عاشراً: رابطة للمواقع الإخبارية: من الضروري وجود رابطة للمواقع الإخبارية بهدف تطويرها وتخليصها من سلبياتها، والاتفاق على عملها وكيفية الارتقاء بها، لتصبح مواقع جادة تسهم في تقديم خدمة حقيقية للوطن، وفي السياق نفسه لا بأس من التفكير برابطة أو تجمع للكتاب الإلكترونيين لتطوير أدائهم.
ورغم كل ما سبق فستبقى المواقع الإخبارية نقطة مضيئة في سماء الأردن، تقدم للقارئ موائد متنوعة ودسمة أحياناً، ومن الطبيعي أن تعاني من فوضى وعشوائية وعدم استقرار وفقدان الهوية في بداياتها، والأمل أن تنضج وتستوي على سوقها لتصبح دعامة قوية وركناً أساسياً ومكوناً هاماً من مكونات الإعلام خدمة لهذا الوطن العزيز الذي نحب. راجياً أن تكون مقالتي هذه دافعاً للبحث في شؤون المواقع الإخبارية ودراسة مشاكلها والنقد الذاتي لناشري المواقع الإلكترونية بهدف الوصول إلى مواقع إخبارية ذات سوية عالية، ومهنية متقدمة، وهوية واضحة ومتفردة.

mosa2x@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد