أزمة الأغنية العربية ..

أزمة الأغنية العربية  ..

24-03-2009 12:00 AM

من حق أي انسان او انسانة ، ان يحاول تقديم نفسه للناس بصورة مطرب او مطربة ، ان كان يشعر بوجود موهبة فنية لديه ، وسنحت له الفرصة "العادلة" بذلك ، فهو هنا يعزز ذاته عندما يصبح مشهورا ومعروفا ، فيمنحه ذلك الدفع المعنوي والمادي للتقدم بموهبته الى الامام ، وبنفس الوقت يطرب المستمعين ، ولا اود هنا ان اتحدث عن رسالة فنية يتم ايصالها للمتلقي ، فهذا كلام كبير لا يستطيعه الا الندرة من المطربين .

الغناء والطرب عملية تبادلية ، طرفاها المغني والمتلقي ، فيها مصلحة معنوية ومادية للطرف الاول ، ومصلحة معنوية للثاني ، خاصة ان اساس الطرب هو الاستماع ، فقد جاءت المشاهدة بعد اختراع التلفزيون ، كديكور يتلائم مع كلمات الاغنية ، تخلق في الذهن صورة مؤطرة للأغنية ، فتخلدها في الذاكرة ، وفيها يظهر بوضوح ، ملامح من شخصية المغني ، ومدى احترامه للمتلقي ، فتكون الصورة المرافقة للصوت ، اما عاملا للجذب او النفور، ومن هنا فان هذه الصورة ، تصبح بديلة عن صورة اخرى يخلقها المستمع لنفسه ، عندما كانت الراديو هي وسيلة الانتشار فقط .

لكل مطرب ، ولكل أغنية ، يرسم المستمع في ذهنه صورة مرافقة ، تتلائم مع تفاعله مع تلك الاغنية ، ومع بيئة المطرب وكلماته ، فعندما استمع إلى المطرب الراحل طلال مداح ، في اغنيته "وترحل ..." ، وهو ابن الجزيرة العربية ، اتخيله يغني في صحراء ، وصوته ينطلق من سفح جبل ، فيرتد صداه مكررا بين الجبال ، ، فتهتز الجبال له طربا ، وتلازمني هذه الصورة ، واستذكر القصة الإنسانية لهذه الأغنية ، حتى عندما أشاهدها بالتلفزيون ، اتجاهل ما اراه من صور الحفل ، لأعيش خيال تلك الصورة المنطبعة في ذهني .

الاغنية القديمة بشكل عام وليس جميعها ، هي المفضلة لابناء الاجيال السابقة ، كلمات بعض تلك الاغاني ، كانت منهاج عمل في الحياة والنضال ، فأي من مغني هذه الايام ، يستطيع ان يمنحنا الشعور بالعزة والكرامة ، كم هو الحال في اغنية فيروز "خبطة قدمكن ع الارض هدارة " ، عدا عن اغانيها العاطفية ، التي تجعل المرء يعشق الشجر والحجر اضافة للبشر ، وكأني بها اغنية عشق لكل مكونات الوطن ، أي اغنية هذه الايام تمنحنا الشعور بالغضب والثورة على الاعداء ، كما هو الحال في اغنية "اخي جاوز الظالمون المدى" .

لا نجد أمامنا حاليا ، الا اغنية مشوهة، من حيث انتقاء الكلمات السمجة ، فقد لحقها تشويه اخر بالاداء نتج عن التصوير، وخاصة ما يسمى بالكليبات ، حيث لا تستطيع ملاحقة المغني ، فهو يتنطنط مثل "السعدان" ، في لحظة ما على راس الجبل ، وفي اللحظة اللاحقة داخل كهف ، تارة بين الصبايا في ساحة عامة ، واخرى بين الغزلان في غابة ، يردد كلمات ممجوجة ، قد لا يتجاوز عددها ، عدد اصابع اليدين ، وبكل سماجة يطلب منا ان نتفاعل مع تعابير وجهه ، وهزات خصره ، وغمزات عينه ، والوان ملابسه الفاقعة ، يقتحمون علينا بيوتنا بدون استئذان ، فيرهقنا تقليب المحطات ، فنتمنى لو يعود بنا الزمان .

ويا ليت الامر يقف عند هذا الحد ، فتطل علينا بعض الفضائيات ، ببرامج متخصصة بالحوار مع هذه النماذج ، فنكتشف ان الراقصة الفلانية ورعة تقية ، بعكس الصورة النمطية عن الراقصات ، تضع يدها على صدرها العاري ، لتشكر الله على نعمة التوفيق والنجاح ، ونجد ايضا التفاعل مع قضايا الوطن ، فإحداهن كانت تعد كليبا غنائيا ، ترفض فيه ان يلمس حبيبها "حبها برص" يدها ، لكنها بعد العدوان الصهيوني الاخير على غزة ، تقبل بذلك ، لا بل اكثر من ذلك ، فتسمح له بتقبيلها ، لماذا هذا التعديل ؟ لانه ذاهب الى غزة للمشاركة في معارك الشرف ، فاي تضحية قي سبيل الوطن والامة اكبر من ذلك ؟

m_nasrawin@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد