شـــــــر البلِّية

mainThumb

04-01-2011 07:56 PM

هذا اليوم الأربعاء الموافق الثاني من حزيران عام 2038، بعيد الساعة العاشرة صباحا ً بقليل، أصحو من نومي متثاقلاً ولأن.. (قلة الشغل بتعلم التطريز).. أطل من نافذة القصر الذي خصصته لي وزارة التربية والتعليم (والدلع) مع مجموعة من زملائي المتقاعدين كهدية (فوق البيعة) بعد أن تم منحنا كافة حقوقنا المتمثلة ب: 100 راتب إجمالي كمكافأة نهاية الخدمة، وسيارتين بدون جمرك (بالمرة) إحداهما لي وأخرى للأولاد، ومنحتنا فوق ذلك حق التعليم المجاني لأبنائنا في أي جامعة (أردنية) يختارونها.. أطل من نافذتي على حديقة واسعة فيها من أشجار الفاكهة ما يعجز (فيثاغورس) عن حساب عددها دون أن يستخدم آلة حاسبة.. فأحس بأن الدنيا أجمل من أن يتركها المرء قبل بلوغ المئة عام.. ولولا حكمة المولى بأن تكون أعمارنا بيده وأمره عز وجل؛ لعاش الإنسان منا حياة سيدنا نوح ولم يشبع!!

 

أصحو من تأملاتي وآمالي على صوت زغاريد وتصفيق وهتاف صادرة من مكان قريب، ألتفت مستطلعا ً ليجيبني صوت مألوف لأحد جيراني بأن مجموعة من الصيادين الإسرائيليين قد اعترضوا أمس (بالخطأ) مجموعة من السفن  التي كانت متجهة إلى غزة هاشم تحمل هدايا وألعاب وملابس للأطفال بمناسبة الأعياد، والصلح الذي تم الأسبوع الماضي بين فتح وحماس ممثلتين بأحفاد كل من (عباس وهني ِّ ة)، ومن بينها بعض السفن المصرية وضايقوا ركابها بدعوى رمي القاذورات في المياه الإقليمية الإسرائيلية.. ووجهوا لبعضهم ألفاظا ً نابية ً لا يصح أن تقال.. حيث ظن الإسرائيليون خطأ ً أنها سفن إيرانية بسبب رصدهم لمجموعة من الركاب يؤدون الصلاة على متنها.. قبل ساعة.. وأثناء عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي –ورغم اعتذار إسرائيل العلني- قام المندوب المصري بصفع المندوب الإسرائيلي (بالألم ) على وجهه وأمر الجيش المصري وسلاح الطيران من على منبر مجلس الأمن بالاستعداد لكافة الاحتمالات بما فيها توجيه ضربة تأديبية ٍ لإسرائيل.

 

وفجأةً يخرجني صوت أزيز الطائرات من الحوار مع جاري المتحمس.. أتوجه له متسائلاً.. فيجيبني جواب الفاهم العارف بمجريات الأحداث أن سلاح الجو المصري قرر توجيه ضربة لإسرائيل حتى تتعلم كيفية التعامل مع العرب مستقبلاً.. وأسرح بفكري لأتذكر أن هذه هي الضربة التأديبية العاشرة لإسرائيل من مصر ودول عربية أخرى بعد أن أصبحت إسرائيل (مَطَجِّةْ) لكل من هب ودب وأحب.. لكن الطبع غلب التطبع.. فالإسرائيليون يحبون المشاكل رغم أن النتيجة تكون وبالاً عليهم كل مرة.. أصابني شيء من الحزن والأسى على الإسرائيليين المساكين الذين لم يقترفوا خطأً يستحقون عليه كل هذا العقاب القاسي من المارد المصري الذي كان يجب أن يكون صبوراً في ردة فعله فلربما كان هناك خطأٌ ما أو سوء فهم يمكن حله دون استخدام القوة المصرية المفرطة كما حدث قبل عامين حينما تناهى إلى مسامع العرب أن إسرائيل بصدد بناء جدار فولاذي عازل على حدودها مع غزة ومصر وأنها قد بدأت بحفر الأساسات له، فما كان من المصريين إلا أن قصفوا الموقع المفترض بالقنابل النووية التكتيكية، ثم تبين لاحقاً أن المساكين كانوا يعدون هدية لأبناء غزة؛ وأن المشروع المفترض ما هو سوى مصنع لحليب الأطفال من أجل خدمة قطاع غزة وبعض المدن الحدودية المصرية، وان النية كانت تتجه لدى الحكومة الإسرائيلية لتقديم إنتاج المصنع كاملاً مجاناً كبادرة حسن نية تجاه العرب، بعد أن هزمت إسرائيل في الحرب الأخيرة التي تكبدت فيها خسائر فادحة وتم إجبارها على حل جيشها والاكتفاء بجهاز أمن مدني تحت رقابة عربية صارمة.

 

أترك جاري وأدخل لأفتح جهاز التلفاز لأجد الأخبار تعلن أن المصريين قد تراجعوا عن توجيه الضربة بعد تأكدهم من أن ما حصل كان (بالخطأ)، أشعر بسعادة غامرة لأن عواقب الظلم وخيمة، ولأن (العفو عند المقدرة).. أحاول أن أستقيم في جلستي لأخفف من آلام (الديسك) في ظهري فيصطدم رأسي بحافة السرير وأصحو من حلمي فزعاً تملأ عَينَيّ صورة على شاشة الجزيرة لطفل تغمر دماؤه ملابسه البسيطة الرثة.. كل ما اقترفته يداه هو جنسيته الفلسطينية وسكناه في غزة المجاورة للشقيقة الكبرى.. أغمض عيني المملوءتين بالحزن والغضب (وبدمائي) من جديد محاولاً التقاط أنفاسي التائهة والتشبث بما تبقى مني.. دعوني أكمل حلمي!! يتبـــــــــــــــــــــــــــع.... 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد