القائلون ببدعيتها حجتهم أنها عبادة لم يفعلها النبي صلى الله عليه و سلم _ أي في صورتها تلك _ و إن استحب فعلها مطلقا . فهل عدم مواظبة النبي على فعلها _ أي تركه إياها _ أيام الأعياد ينهض للقول بانتفاء مشروعيتها ؟
يجب أولا التفريق بين العبادة مخصوصة الهيئات و الأوقات "التوقيفية" و بين العمل التعبدي المشروع مطلقا ؛ و الذي شرطه أن يكون صالحا ؛ بل قد أسماه الله العمل الصالح .
و مناط الخلاف ها هنا و في صور كثيرة من أشكال العمل التعبدي هو في تعريف كل من العمل الصالح و العبادة ، و شروط كل منهما ، و فيم يتفقان و فيم يفترقان .
فالمدرسة السلفية و ما وافقها يرون للعمل الصالح شرطين ؛ الإخلاص لله تعالى في النية _ و هذا لا إشكال فيه _ ، و متابعة الرسول في ذاك العمل قولا أو فعلا أو إقرارا أو تركا . فهو عندهم بهذه الشروط يشبه أن يساوي العبادات التوقيفية . و كذا يفعلون في التطبيق في عامة الأعمال التعبدية خلا الأخلاق . لكن هل هذا الأمر مستقيم ؟
إن أحضرنا المعنى العام لصلاح العمل ؛ و هو جلبه النفع أو دفعه الضرر ؛ فإن الأعمال التي هذا شأنها كثيرة يصعب حصرها و تقييدها بتلكم القيود التفصيلية التي تتعلق بوجوب موافقتها للسنة بمعناها الخاص المتعلق بنشاطات النبي صلى الله عليه و سلم ، على أن مراعاة المصالح و المفاسد في الأعمال و الأقوال فعلا أو تركا هي الغاية من السنة النبوية ، فهذه المراعاة سنة بالمعنى العام . و هذا يشبه أن نقول إن الزكاة بشروطها و أنصبائها عبادة خاصة توقيفية يجب الوقوف عند أدائها على تفاصيلها الشرعية المحددة ، في حين أن الصدقة بلا شرط و لا قيد عبادة عامة ليست توقيفية و عمل صالح ، و إنها تستحب زيادة إن لابسها ظروف تعزز من الحاجة إليها .
و في مسألتنا فإن في زيارة القبور مصلحة خاصة معتبرة متعلقة بيوم العيد و هي مصلحة الوفاء . إذ حال الزائر يوم العيد يقول لمزوره أني ما نسيتك ، و أن فرحتي بعيدي لا تكتمل دونك ، و أني أعتذر لانشغالي طول السنة عن زيارتك و مناجاتك .
و إن هذا الوفاء معنى عظيم و مطلب مهم . أما لماذا مع ذلك لم يثبت عن النبي أنه زار في العيد المقابر ؛ فالاحتمالات عديدة ، و التكهنات مزيدة ؛ لكن ليس منها بالقطع أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعبأ بقيمة الوفاء من الأحياء تجاه أمواتهم ، سيما ألا محذور شرعي متعلق بيوم العيد . و الله أعلم .
و إن لهذه المسألة نظائر منها :
التكبير الجماعي أيام العيد ، و مصافحة المصلين بعضهم بعضا عقيب الصلاة مع الدعاء بقولهم " تقبل الله " .