قراءة في عقوبة الفصل النهائي
في خضمّ العاصفة الإعلامية التي اجتاحت المجتمع الأردني، يبرز قرار فصل واحد وعشرين طالباً نهائياً من الجامعة الأردنية كحالة تفضح أزمة المنظومة التربوية في عالمنا العربي.
فبينما تلهث مؤسساتنا التعليمية وراء النماذج الغربية في الإصلاح التربوي، تنسى أن تراثنا الإسلامي يختزن منظومة متكاملة سبقت بأكثر من أربعة عشر قرناً ما يُعرف اليوم بنظريات الإصلاح التربوي الحديثة.
لقد أصبحت "العدالة الإصلاحية" و"المنهج المجتمعي التربوي" موضة فكرية يتبناها المصلحون في عالمنا العربي وكأنها وليدة الفكر الغربي المعاصر، بينما الحقيقة أن الإسلام قدّمهما بشكل متكامل يجمع بين حكمة الوحي وواقعية التطبيق, فالنبي محمد ﷺ لم يكن مجرد معلّم أخلاق، بل كان قائداً تربوياً استثنائياً أرسى نموذجاً فريداً في التعامل مع الأخطاء البشرية.
تأملوا في حادثة ذلك الشاب الذي جاء يطلب الإذن بالزنا، فلم يواجهه النبي ﷺ بالصدمة والرفض، ولا بالعقاب والتأنيب، بل حاوره بعمق: "أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟ أترضاه لابنتك؟", لقد حوّل الموقف من محاكمة إلى فرصة للتعلم، ومن عقوبة إلى بناء للوعي, هذا النموذج النبوي يمثل ذروة ما تصل إليه اليوم نظريات الإصلاح التربوي في أرقى الجامعات الغربية.
إن المنظومة الإسلامية في التعامل مع الأخطاء تمتاز بأنها لا تفصل بين الفرد والمجتمع، ولا بين النفس والجسد، ولا بين الدنيا والآخرة, بينما النماذج التربوية المعاصرة تتعامل مع الإنسان ككيان مجزأ، فتقدم حلولاً جزئية لمشكلات كلية , وهذا بالضبط ما حدث في حالة الجامعة الأردنية، حيث عولج العرض (المشاجرة) وترك المرض (الفراغ القيمي).
لقد سبق الفقه الإسلامي النظريات التربوية الحديثة في فهمه للعلاقة بين البيئة والسلوك, يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تُعجِبكم طاعة من أقبل عليكم، فإنما يُقبل بذنوبكم، ولو أجرم لخالف إليكم", إنها نظرة عميقة تربط بين سلوك الفرد ومسؤولية المجتمع، بين الخطيئة والبيئة المحيطة.
إن ما يُطرح اليوم تحت مسمى "النظريات التربوية المجتمعية" في المؤتمرات التربوية، نجده متجلياً في وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم" إنه الاعتراف بالتحولات الاجتماعية وأثرها في تشكيل السلوك، وهو ما تنادي به اليوم أحدث النظريات التربوية.
اللغز الحقيقي لماذا نلهث وراء نظريات تربوية غربية، بينما نمتلك في تراثنا الإسلامي كنوزاً تربوية لم نستثمرها بعد؟! لماذا نتبنى "العدالة الإصلاحية" كمنتج غربي، بينما هي متجذرة في قول الله تعالى: "وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ"؟! لماذا ندرس "النظرية التربوية المجتمعية" كإنجاز غربي، بينما نجدها في قول النبي ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"؟!
في حالة الطلاب المفصولين، كان بإمكان الجامعة أن تتبنى نموذج "العقوبة الإصلاحية" المستمد من روح الشريعة الإسلامية، حيث تُستبدل العقوبة الاستبعادية بعمل إصلاحي يعود بالنفع على المجتمع والطالب معاً, كان بالإمكان تحويل الطاقة السلبية التي ظهرت في المشاجرة إلى طاقة إيجابية في خدمة المجتمع، وفق مبدأ "تحويل الخطيئة إلى حسنة" الذي تنادي به الشريعة.
إن الدرس الأهم الذي تقدمه لنا المنظومة الإسلامية أن العقوبة يجب أن تكون كالدواء: بقدر الحاجة، وبمقدار الضرورة، وبهدف الشفاء , بينما أصبحت العقوبات في مؤسساتنا كالمبيد الحشري: تقتل الآفة وتقتل المحصول معاً.
إننا أمام مفترق طرق: إما أن نستمر في استيراد النماذج التربوية الجاهزة، أو نعود إلى ينابيعنا الإسلامية لنبني نموذجاً تربوياً أصيلاً يجمع بين حكمة الماضي وواقعية الحاضر, فالمنظومة الإسلامية التربوية ليست طقوساً تاريخية، بل هي منظومة حية قادرة على تقديم إجابات حكيمة لتحديات عصرنا.
وهذا يقتضي منا بناء منظومة تربوية راسخة تستلهم عمقها من الإسلام، وتستند إلى مصانع قيادتنا الحقيقية التي هي الجامعات , فكما أن المسجد كان منارة العلم والحكمة في حضارتنا الإسلامية، يجب أن تكون جامعاتنا اليوم منارات للتربية قبل التعليم، وللبناء قبل العقاب.
إننا بحاجة إلى عودة جادة إلى المنهج الإسلامي الأصيل في التعامل مع أخطاء الشباب، منهج يجمع بين الحكمة والرحمة، بين الثوابت والمتغيرات، بين الحقوق والواجبات, منهج لا يكتفي بمعالجة الأعراض، بل يتعمق في تشخيص الأمراض، ولا يقتصر على عقاب المخطئ، بل يهتم بإصلاحه وتأهيله.
لقد آن الأوان لأن تتحول جامعاتنا من مجرد أماكن لتحصيل الشهادات إلى مصانع حقيقية لبناء الشخصية المسلمة المتوازنة، التي تجمع بين قوة العلم ورحمة الأخلاق، بين عزيمة الإصلاح وحكمة التدرج , جامعات تخرّج لنا جيلاً يحمل هم الأمة، ويعرف حقوق الوطن، ويقدر نعمة التعليم.
فلا نكرر أخطاء الماضي، ولا نستسلم لضغوط الحاضر، بل نبني مستقبلاً تربوياً يستلهم حكمة الماضي ويواجه تحديات الحاضر برؤية إسلامية أصيلة , الشاب الذي نفقده اليوم بالعقوبة القاسية، قد يكون القائد الذي نحتاجه غداً، والعالم الذي تفتقده أمتنا.
إن بناء المنظومة التربوية الإسلامية في جامعاتنا ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية لأمة تريد أن تحفظ هويتها وتنهض من كبوتها, فلنعمل معاً على صناعة مستقبل تربوي يليق بأمتنا، مستقبل يجمع بين أصالة الإسلام وواقعية العصر، بين حكمة الشريعة وضرورات الواقع.
باريس سان جيرمان يسحق ليفركوزن بسباعية تاريخية
ترامب: لا أريد اجتماعا بلا نتائج مع بوتين
7 أضرار صحية خفية للإفراط في تناول اللوز
المهـور تتقلـص: من 110 إلى 50 جراماً مقابل 5 آلاف دينار
الأمم المتحدة تطالب بتعزيز مساعدات الإيواء لغزة قبل الشتاء
لرحلة مثالية: دليل ذهبي قبل السفر وأثناءه وبعده
العدوان يلتقي الفائزين بجائزة الحسين للتطوع
انقلاب باص على عمارة بالبنيات دون إصابات .. صور
بعد 921 يومًا من التوقف .. مطار الخرطوم يعود للحياة
ماسك يهاجم مدير ناسا بسبب مهمة القمر
ترامب: السلام قائم وحماس مهددة إن خالفت الاتفاق
أربعون سيناتورًا يطالبون ترامب برفض ضم الضفة
تفسير حلم الامتحان للعزباء في المنام
دلالة رؤية ورق العنب للعزباء في المنام
وظائف ومدعوون للتعيين .. التفاصيل
الأردنية: فصل نهائي بانتظار طلبة شاركوا في المشاجرة الجامعية
إغلاق طريق كتم وتحويل السير إلى الطريق الرئيسي (إربد – عمّان)
إحالة موظف في أمانة عمان للمدعي العام .. تفاصيل
إطلاق حزب مبادرة رسميًا لتعزيز العمل الحزبي وتمكين الشباب
أسعار الذهب محليا تسجل قفزة جديدة
الشارع المغاربي بين العود الأبدي والهدوء المريب