إن بعض الوجوه المتسترة بقناع الدين هي الشيطان بكل تفاصيلها التي عرفناها والتي لم نعرفها، وإنها المصيبة التي ابتلينا بها بسبب عاطفتنا الجارفة التي لا تقيدها الموضوعية ولا تحكمها العقلانية، فأصبحنا كالقطيع نهرول خلف كل داع، وصرنا كالعميان وهم لنا أدلاء يقودونا نحو الهاوية بلا تفكير وبلا تمحيص، وهذا ليس ذنب الشعوب البائسة؛ وإنما لغياب الثقة الحقيقية بينها وبين من يقودونها في كل المراحل السالفة.
ففي بداية الغزو الأمريكي للعراق ، ومع بداية انتشار الفضائيات ووصولها لكل فئات المجتمع العربي والإسلامي في العالم الأول والثاني والثالث، ظهر المدعو محمود غول أغاسي الملقب بـ أبو القعقاع" في سورية، وكان يتحدث بعاطفة الأمة وبقوة لا نظير لها ، حتى أنه قد جمع حولة آلاف الناس بخطابه القوي، ونبرة صوته العالية ، وحدة انتقاداته لكل من حالف "الشيطان الأكبر" وبدعوته الناس للجهاد في أرض الرافدين، وهذا الخط يتعارض كلياً مع منهج القيادة السورية التي ناصبت الرئيس صدام حسين العداء حتى الاطاحة به عام 2003 على يد القوات الأمريكية الغازية ومن حالفها من دول غربية وشرقية ، فإيران كانت أقوى الداعمين ومن معها من مليشيات تابعة لها للغزو الأمريكي لمن تعتبره حجر عثرة في طريق تصديرها لثورتها المقيتة.
ظهر الملقب بـ "أبو القعقاع" بمظهر الثائر المحرر والمخلص للشعوب من نير الاستبداد والاستعباد، وكانت الأجهزة الأمنية في سوريا تخشاه ، نعم كانت تخشاه ، وكان ضابط الأمن أو رجل الأمن لا يجرؤ على الاقتراب منه ، وكان يجمع حوله من الشباب الذين يتبعون منهج " السلفية الجهادية" وكانوا قد ازدادوا في تلك الفترة بسبب ما يحدث في بلاد المسلمين، وبسبب غياب الصوت الإسلامي المعتدل وخروجه من سوريا في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وكان "أبو القعقاع" يسجلهم للجهاد في سوريا على مرأى ومسمع من أعين النظام وزبانيته، ويقيم لهم معسكرات التدريب، عجباً! فأين أجهزة الأمن البعثية السليطة التي تسمع همس النملة السوداء في الليلة الظلماء في زحمة الضوضاء؟! أيعقل بأن تجري هكذا أحداث بلا تدخل منها ؟!.
ما كان "أبو القعقاع" إلا أداة بيد النظام السوري وما كان إلا صنيعتها، كان له المسار الذي يسير وفقه وكما حدد له، وقد حدده له النظام بكل عبقريته الإجرامية، فالنظام السوري أراد تجميع الشباب السلفي لكي يلقي بهم في محرقة العراق، فإيران كانت قد أوعزت للنظام السوري بأن يجمع هؤلاء الشباب، وبأن يدفع بهم نحو "الجهاد" في العراق، وكان الهدف من ذلك هو طرد الأمريكان من العراق ليتسنى لإيران السيطرة على عراق ضعيف ومنهك ومجرد من القوة فيصبح تابعاً لها كما هو حال العراق اليوم، ومن جهة أخرى من المخطط هو تفريغ سوريا من القوى السلفية السنية التي تقف في وجه التشييع في بلاد الشام الذي كان قد بدأ مع وصول بشار للسلطة.
وبعد أن انتهت مهمة محمود غول أغاسي "أبو القعقاع" شوهد حليق اللحية، وشوهد أيضاً في احتفالات "وطنية" في عيد ميلاد الرئيس بشار الأسد مع "الدبيكة" وهو يصف يوم ميلاد سيده بشار الذي قد صنعه على عينه بأنه يوم تاريخي يستحق الاحتفال به وتخليده، وذكر بأنه سافر إلى دولة غربية للنقاهة بعد عناء المهمة التي أداها كما هو مطلوب منه بامتياز، وانتهت بهذا الحالة "الأغاسية" أو القعقاعية". فيا له من مخطط دنيء وخبيث، لقد اعتاد الصفوييون وأذنابهم على العبث بمصائر الأمة لتحقيق مآربهم القومية على حساب نهضة الأمة ورفعتها.
انسحب الأمريكان من العراق ، وبدأ فصل جديد من فصول المهزلة والضياع، وكان لا بد من "أبو قعقاع" جديد ليقوم بالمهمة حسب الأوضاع القائمة وحسب المرحلة التالية لانسحاب الغزاة من العراق، وبحجم أكبر هذه المرة، ليكون التدخل أقوى وأكبر، فأتت الأوامر الصفوية والصهيونية العالمية من أجل بناء حالة جديدة تكون مدعاة لتدخل جديد في المنطقة العربية، وكان الأمريكان قد انسحبوا إلى غير رجعة يجرون خلفهم أذيال الهزيمة من ضربات المجاهدين (السنة) في العراق وأفغانستان، فالشيعة لم يقاتلوا الغزو الأمريكي بل دعموه لكي يُسيّدهم على العراق كما هم في كل العصور يحالفون أعداء الأمة على أبناء السنة، والإيراني "السيستاني" أفتى لهم بعدم جواز قتال الغزاة بتوجيه إيراني، وكما قال حاكم العراق الأمريكي بول بريمر عقب الاحتلال في مذكراته أن السيستاني قبض مبلغاً كبيراً لفتواه بعدم مجابهة الاحتلال، وبالتأكيد فإن هذه الأموال قد ذهبت لإيران كما تذهب اليوم أموال العراق باسم الخمس لإيران، وكما تذهب لدعم طاغية الشام على حساب الشعب العراقي المُفقر المكلوم.
هنا بدأت مرحلة "دولة العراق والشام الإسلامية" ومنها انبثق اسم داعش المعروف لدينا اليوم، وهنا كان لا بد من تدخل إيراني بصورة المخلص من غزو داعش للعراق والشام، و "البغدادي" اليوم هو "أبو القعقاع" في الأمس، لكنه يقوم بمهمة أكبر بكثير من سلفه الماكر، إذ أنه يشوه صورة أهل السنة ويعطي الانطباع بأن أهل السنة كالوحوش إن حكموا فإنهم سيذبحون كل من خالفهم، "ويحرقون" كل من يناجزهم، والويل ثم الويل لمن يقف في طريقهم، وأنهم سوف يحتلون العالم بأسره إن تركوا في التوسع وإنشاء دولتهم.
وهنا بدأ فصل التخويف، وأنكم أيها الغرب والأمريكان والروس مجبرون على وضع أيديكم في أيدينا نحن المجوس، وأن تطلقوا لنا العنان في سوريا والعراق لكي نخلصكم من المارد الجديد، وإلا فإنهم سوف يدكون معاقلكم ويهددون مصالحكم، ويسحبون البساط من تحت أقدامكم، وستكونون في مقبل الأيام نسياً منسيا.
دب الرعب في قلوب القوم، وكان لإيران ما أرادت، وها هي الآن تسرح وتمرح في أرض الرافدين وفي أرض الشام، وكيف لا؟ فها هم المجوس يطالبون بكل وقاحة وبعد كل جرائمهم في العراق وسوريا بأن تزال حدود تلك الدول ليكونوا هم ألأسياد عليها، يريدون بأن تتحد العراق وسوريا مع دولتهم الصفوية، ويكون الهلال الشيعي قد أصبح أمراً واقعاً، وتكون أرض الجزيرة العربية والأردن ولا أقول فلسطين تحت تهديدهم المباشر، فحتماً ستزدهر العلاقة الصفوية إن تم هذا الأمر لا سمح لله مع الدولة اليهودية، فهم وجه واحد لعملة واحدة ومبتغاهم واحد، وهو ابادة العرب والمسلمين السنة.
إن الهجمة الشرسة على تركيا تعطينا التفسير الواضح لمجريات الأمور، فبعدما تخلصت الصفوية والصهيونية من صدام حسين السني "على علة نظامه" وبعدما تخلصوا من نظام محمد مرسي الإسلامي السني الوليد وجدوا أمامهم أردوغان الإسلامي السني ونظامه، فهو عقبة كأداء أمام مشروعهم الاستعماري التوسعي، وهو صاحب السمعة الطيبة التي أعطته شعبية في أوساط المسلمين السنة والعرب، وما قصة إسقاط الطائرة الروسية إلا كقميص عثمان، وما يدعم هذا القول هو قول بوتين عندما قال: "يبدو أن الله قد قرر معاقبة النخبة الحاكمة في تركيا" وكأنه وحي مرسل ويتكلم باسم الإله جل في علاه، وتصريحات ساسة روسيا بأنهم لن يسمحوا بإقامة كيان سني في سوريا لدليل قاطع على هذا الحلف الشيطاني الذي أنشأ أبو القعقاع والبغدادي ليتوجوا ملالي المجوس على المنطقة واقتسام خيراتها وثرواتها ومنع أي نهضة تقوم فيها .