لماذا يزيل الناس تعليقاتهم على وسائل التواصل

mainThumb

24-08-2025 03:36 PM

في العصر الرقمي الحالي، لم تعد منصات التواصل الاجتماعي مجرد أدوات للترفيه، بل تحولت إلى ساحات عامة تؤثر في آرائنا وتوثّق مواقفنا وتشكل جزءًا من صورتنا أمام الآخرين. من فيسبوك وإنستغرام إلى تيك توك وتويتر (إكس)، نكتب التعليقات لنتفاعل، لنعبر عن مشاعرنا، وربما لنشارك لحظة عابرة. ومع ذلك، تنتشر ظاهرة لافتة للنظر: حذف التعليقات بعد نشرها. فما الذي يدفع الأشخاص لاتخاذ هذه الخطوة؟
الندم الفوري يعد من أكثر الدوافع شيوعًا. ففي لحظة انفعال أو حماس نكتب تعليقًا سريعًا، ثم ندرك بعد دقائق أن كلماتنا قد لا تمثلنا بدقة، أو ربما تُفهم بشكل خاطئ. في هذه اللحظة، يصبح الحذف وسيلة سهلة لتصحيح المسار قبل أن يترتب على التعليق أي أثر دائم.
الخوف من النقد أو الدخول في جدال سبب آخر قوي. منصات التواصل فضاءات متنوعة الآراء، وأي تعليق قد يثير نقاشًا طويلًا أو انتقادات غير متوقعة. لذلك، يختار البعض الحذف لتجنب المواجهات أو لتفادي التوتر الذي قد يرافق النقاشات الحادة.
ولا يمكن تجاهل البعد المتعلق بالخصوصية. مع الخوارزميات المعقدة وتغير إعدادات المنصات، قد يصل تعليق شخصي إلى جمهور لم يكن مقصودًا. حينها يصبح الحذف وسيلة لاستعادة التحكم فيمن يطّلع على كلماتنا، خاصة إذا كانت تحمل طابعًا شخصيًا أو حساسًا.
ولن نتجاهل هنا عامل التطور الشخصي, وتغير المواقف مع مرور الوقت. فالتعليق الذي بدا مناسبًا قبل عام قد لا يعكس قيمنا أو آرائنا الحالية. لهذا السبب، يلجأ كثيرون إلى حذف التعليقات القديمة حتى تكون صورتهم الرقمية متوافقة مع ما يؤمنون به اليوم.
أما البعد الاجتماعي فيظهر من خلال الأعراف غير المكتوبة التي تحكم التفاعل في الفضاء الرقمي. أحيانًا نحذف تعليقًا لأنه يبدو خارج السياق، أو لمجرد الشعور بأنه غير مناسب بعد مراجعة النقاش ككل. الرغبة في الانسجام مع الآخرين قد تدفعنا إلى تعديل وجودنا الافتراضي باستمرار.
المفارقة أن الحذف لا يقتصر على التعليقات الجدلية فقط؛ بل يشمل أحيانًا التعليقات الإيجابية التي تعبر عن الإعجاب أو المشاركة في الفرح. ربما لأن صاحبها شعر بالمبالغة لاحقًا، أو خشي تفسيرًا غير مقصود، أو أراد ببساطة تقليل بصمته الرقمية.
في المحصلة، حذف التعليقات ليس سلوكًا عشوائيًا، بل قرار يتأثر بمزيج من العوامل. سواء كان بدافع الندم، الخوف من النقد، الرغبة في الخصوصية، أو الانسجام مع المعايير الاجتماعية، تبقى النتيجة واحدة: وجودنا الافتراضي ليس ثابتًا، بل مرآة لتقلباتنا الإنسانية في عالم يتغير كل لحظة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد