تعقيدات الصداقات الرقمية على وسائل التواصل

mainThumb

28-09-2025 05:30 PM

منذ أن أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حياتنا، تغيّر معنى كلمه "صديق" ل"متابع". لم تعد الروابط تقتصر على اللقاءات الإنسانية المباشرة، بل باتت التطبيقات المختلفة – من فيسبوك وإنستغرام إلى إكس (تويتر سابقًا)، تيك توك، ولينكدإن – تفرض أشكالًا جديدة من العلاقات الرقمية، بعضها يفتح آفاقًا للتواصل والدعم، وبعضها الآخر يثير ارتباكًا وضغوطًا غير متوقعة.

إحدى أبرز التحديات تكمن في طلبات الصداقة أو المتابعة من أشخاص نعرفهم معرفة سطحية فقط: جار قديم، زميل عابر، أو حتى شخص التقيناه مرة واحدة. قبول هذه الطلبات قد يبدو لفتة بسيطة، لكنه يضعنا أمام انفتاح غير محسوب على أشخاص لا نعرف نواياهم بدقة. وفي كثير من الحالات، يتحول هذا القبول إلى مصدر لتطفل أو تدخل غير مرغوب فيه، مما يجعل مساحة الفرد الرقمية أقل أمانًا وراحة.

كما تشجع طبيعة هذه المنصات على الظهور الدائم. كل صورة أو تعليق أو تحديث يصبح عرضًا لجمهور واسع وغير متجانس. هذا يولّد شعورًا بالمنافسة والمقارنة المستمرة، حيث يسعى البعض لإظهار حياة مثالية مليئة بالنجاحات والسعادة، بينما يشعر آخرون بضغط المحافظة على صورة اجتماعية معينة حتى وإن لم تعكس حقيقتهم. وهنا يظهر تناقض كبير بين ما يُعرض على الشاشة وما يُعاش في الواقع، وهو تناقض يربك الكثيرين ويؤثر على صدقية العلاقات.

ولا يمكن إغفال إشكالية السرعة في التفاعلات الرقمية. فعلى عكس الحوار المباشر، تفتقر المحادثات عبر المنصات إلى النبرة والسياق، ما يجعل التعليقات عرضة للتفسير الخاطئ. قد يتحول تعليق مازح على إنستغرام إلى مصدر جرح، أو يُفهم رأي عابر على إكس كهجوم شخصي. ومع وتيرة "الترندات" والوسوم المتسارعة، يشعر المستخدمون أحيانًا بضرورة الرد السريع، وهو ما يزيد من احتمالية الانفعال وسوء الفهم أو الانخراط في نقاشات محتدمة لا جدوى منها.

كذلك، يصبح تقدير الذات في أحيان كثيرة مرتبطًا بعدد الإعجابات والتعليقات والمشاركات. هذه المؤشرات الرقمية تمنح إحساسًا بالانتماء أحيانًا، لكنها أيضًا تخلق دائرة من التقييم المستمر، حيث يقاس النجاح بالظهور والشهرة بدلًا من القيمة الفعلية للعلاقة أو الفكرة. وهذا قد يعزز السلبية ويجعل التفاعل أقرب إلى استعراض منه إلى تواصل حقيقي.

المسألة تتعلق بكيفية إدارتنا لها. يمكننا وضع حدود واضحة: انتقاء من نتابع، ونتجاهل طلبات لا تناسبنا، والتريث قبل الرد على التعليقات، وتذكير أنفسنا بأن قيمتنا لا تُقاس بالأعداد الرقمية، ما يفتح المجال لتجربة أكثر صحة وصدقًا.
في النهاية، الصداقات الرقمية ليست امتداد للعلاقات الواقعية، بل هي شبكة معقدة من الدعم والتحديات، من الوصل والانفصال، ومن الوعي والضغط. والوعي في التعامل معها هو المفتاح لتحويل وسائل التواصل الاجتماعي من مصدر توتر إلى فضاء يثري حياتنا ويعزز توازننا النفسي والاجتماعي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد