في قيادة الأمة

mainThumb

09-10-2025 03:55 PM

هذه المملكة تحمل إرثا عظيما، يمتد عبر قرون من الزمان، فهي هاشمية تحمل على عاتقها ذلك الإرث العربي الإسلامي، إرث النبوة والدين والعروبة، ثم قيادة الثورة العربية الكبرى في وجه الظلم الذي مارسته السلطة الحاكمة في آواخر السلطنة العثمانية.
وبحكم هذا الإرث فقد كانت مملكة لكل العرب والمسلمين، حملت الهم العربي عبر مئويتها، منذ إخراج شرق الأردن من فم الوحش (وعد بلفور)، ثم القتال على أرض فلسطين ضد العصابات الصهيونية في معارك خضب فيها دم شهداء الجيش العربي الأردني المصطفوي أرض فلسطين وأسوار القدس، وظل الموقف الأردني الهاشمي واضحا في الدفاع عن القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، ودعم المقاومة الفلسطينية واحتضانها والدفاع عنها في معركة الكرامة، إلى أن بدأ البعض في تغير المسار والهدف، حينها كان لا بد من تصحيح المسار، والحفاظ على الدولة والأمة، كل ذلك في ظل تشويش كبير مارسته جميع الأطراف، ومواقف انفعالية انتهت بمصائب جرتها على الامة.
واليوم لا نجد سوى مستشفيات أبناء القوات المسلحة الأردنية على أرض الضفة الغربية وغزة، والمساعدات التي تصل المنكوبين في غزة عبر الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، ومواقف جلالة الملك والدبلوماسية الأردنية عبر وزارة الخارجية في كل المحافل الدولية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لتجد البعض يتنكر أو يتناسى كل هذا المجهود الكبير، ثم هو يضخم ويمجد ما هو أدنى أو مشوش أو مشبوه من مواقف اتجاه القضية الفلسطينية.
أما القضايا العربية الأخرى، فما توانت المملكة الأردنية الهاشمية يوما عن نصرة القضايا العربية، فوقفت مع العراق في حمايته للبوابة الشرقية العربية خلال الحرب العراقية الإيرانية، ووقفت في وجه التدخل الأجنبي ضد العراق ودفعت ثمن ذلك حصارا ومقاطعة، وظلت الدبلوماسية الأردنية تفتح صدرها لكل العرب رغم الطعنات التي تلقتها من البعض، وقدمت دوما الوفاق العربي فوق كل الجراح، لتظل دوما في مقدمة الوفاق والاتفاق الساعية فعلا وليس قولا للوحدة العربية.
ثم أنها استقبلت المهجرين واللاجئين العرب من كل بلاد العرب، بدء من فلسطين ليصبحوا جزء لا يتجزأ من النسيج الأردني الواحد، ثم العراق وسوريا واليمن وليبيا، ليجد كل هؤلاء الأمن والأمان والحياة الكريمة التي لم يجدوها في وطنهم الأم.
وفي القضايا الإسلامية كان الأردن الهاشمي من الأوائل الذين وقفوا مع المسلمين ضد المد الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق، ونصرة قضاياهم العادلة، واستقبال المهجرين منهم، ليصبحوا جزء لا يتجزأ من النسيج الأردني، وفي قضية باكستان والبوسنة والهرسك، وغيرها من قضايا الأمة الإسلامية.
أما على المستوى الداخلي الأردني، فكان ذلك الميثاق والعهد والبيعة بين الهاشمين والأردنيين من شتى المنابت والأصول، ليكون ذلك التلاحم التاريخي الفريد بين القيادة والشعب، يظهر في سعي القيادة لمنح حياة كريمة قدر الإمكان، في إطار من الكرامة والحرية والعفو والتسامح، مع عزم لا يلين في بناء الدولة والحفاظ عليها، وحزم في منع المساس بأمنها وانجازاتها.
وإن كان يوجد إشارات هنا أو هناك لوجود تقصير أو فساد، فهو جزء من المنظومة الإنسانية عبر تاريخ البشرية، وبعض مما تعانيه كل الدول العالمية، حيث يقدم البعض المصلحة الخاصة على العامة، ثم هو يبدأ من أصغر دائرة مجتمعية (الأسرة والقبيلة) أو مؤسسية (حكومية أو مدنية)، لذلك فإن محاربته وإصلاحه يبدأ من هذه الدوائر الصغيرة، تربية ومراقبة وعدالة وإن كان من ذوي القربى، لأن أبناء المؤسسات المختلفة هم أبناء الشعب، من أسره وعشائره ومجتمعه.
ولقد أشرت في كثير من مقالتي وكلماتي إلى نقاط هنا وهناك لنقد بناء في تصحيح المسار، وهذا هو الواجب علينا، ولكن البعض يتفنن في جلد الذات، والهروب والاختباء في كواليس مظلمة، يتلذذ في نقد الذات، ويكيل المدح للآخر ويجد له المخارج من كل ما يشوبه، ولعلّنا نقع في شباك بعض هؤلاء، ثم تنجلي الحقيقة عن وطن لا نجد له مثيل في مواقفه الخارجية والداخلية للحفاظ على إرث تاريخي وديني وثوري عظيم، وأمة منكوبة، ودولة قوية مستقرة في وسط محيط ملتهب، لأعلنها مدوية أردني هاشمي وأفتخر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد