موثوقية صناديق الاقتراع

mainThumb

31-01-2013 05:53 PM

يصعب التشكيك بأن صناديق الاقتراع هي معيار جدي وأقل خطأ من أي معيار آخر لمعرفة رأي الناس واختيارهم للمرشحين في أية انتخابات مهما كان نوعها ، وقد تكون الأكثر دقة من غيرها. ولكن اللجوء إلى صناديق الاقتراع ليس عملية طارئة ومستعجلة ووحيدة الجانب، وإنما تقع في سياق عملية واسعة  ومعقدة من الإجراءات والترتيبات السابقة لها.
 
من المعروف بداهة إنه قبل اللجوء إلى صناديق الاقتراع، لا بد من تنفيذ عمليات أخرى عدة، منها ضرورة وجود أحزاب وتيارات سياسية فاعلة  تعمل بحرية تامة و كاملة بين صفوف الناخبين لإقناعهم بوجهات نظرها و برامجها الانتخابية ، ولا بد من وجود نقابات مهنية تقوم بدورها الاجتماعي والثقافي و الاقتصادي وربما السياسي ، فضلاً عن ضرورة إتاحة الفرصة لهذه الأحزاب والتيارات والنقابات  لتوظيف و استخدام وسائل  الإعلام كافة  لنشر مبادئها  و برامجها والإقناع بها، وبطبيعة الحال من الضروري إطلاق الاجتماعات و المناظرات والحوارات بينها ، وكل ذلك بهدف المساهمة في توعية الناخبين للوصول إلى النضج المطلوب ، بل وإعادة تشكيل وعيهم، من خلال تعريفهم باستراتيجياتها وأهدافها ومواقفها وأساليب عملها وغير ذلك، ليستطيع الناخب من خلال هذه العمليات و الأنشطة كلها أن يحسن الاختيار من جهة، وأن يحاسب المرشح  إذا لم يحقق برنامجه أو إذا حاد عن هذا البرنامج من جهة أخرى . وفي الحالات كلها، ليستطيع اتخاذ قراره واختيار ما يتناسب مع رأيه ومصالحه و مبادئه.
 
إن هذه الشروط الواجب توافرها، تقتضي أن تبدأ عملية الاقتراع فعلياً قبل التصويت، لتكون هناك فرصة كافية لصاحب مشروع الاقتراع ليعبر عن نفسه ويشرح وجهات نظره، وللناخب كي يستوعب مضمون الاقتراع ويتخذ قراره. ومن غير الصواب والحكمة أن يكون الاقتراع فورياً دون هذه المقدمات التي لا بد منها، لأنه في هذه الحالة يمكن أن يُفسح مجال كبير للخداع والاستخفاف بالناخب والمراهنة على جهله، وتوظيف وسائل الإعلام والاتصال توظيفاً غير عقلاني لتحقيق النتائج التي يريدها، وهكذا فإن الاقتراع هو عملية غير آنية وممتدة وطويلة الأجل، وتحتاج بالضرورة إلى وقت كاف للحوار وتبادل الرأي والحراك الاجتماعي والنشاط الجماهيري، وطرح واقع المجتمع ومصالحه وحاجاته ليستقيم أمر الاقتراع ويحقق غايته، لكن الذي تم في الانتخابات الأردنية هو إن الانتخاب للمرشح تم بناءاً على مهرجان أو خطاب عابر أو تأثير من صديق ، أو تأثر بصورة بثتها أحدى الفضائيات التي قبضت الثمن ، وهذه كلها لا تكفي عملياً لمساعدة الناخب على حسن الاختيار ، مع أنها نتيجة لصناديق الاقتراع.
 

ينبغي الاعتراف بأن عملية الاقتراع وصناديقها هي أفضل السبل و الطرق و الوسائل  للسير قدماً في الطريق الديمقراطي، لكن ينبغي الانتباه أيضاً إلى أن هذه العملية تحتاج إلى اعتراف مسبق بقيم و مبادئ وموازين ثابتة، منها الحرية المسؤولة والديمقراطية المنضبطة  والتعددية الحقيقية ، كما تتطلب و تحتاج إلى وقت كاف و مناسب لحوار التيارات الشعبية و النقابات المهنية و الأحزاب السياسية والأطر الاقتصادية ومشاركة الناخبين في هذا الحوار، بحيث تستكمل العملية الديمقراطية أبعادها وتنضج نضجاً كافياً يوصل إلى النتيجة المنشودة . فالعملية، إذاً، ليست مجرد تصويت ووضع أوراق في صناديق الاقتراع، بل هي أكثر تعقيداً و شمولية من ذلك، حيث تقتضي مقدمات والقيام بإجراءات وأنشطة وعمليات تجري قبل يوم الاقتراع، و من هنا  ينبغي ألا نُفتن بتعبير اللجوء لصندوق الاقتراع للوصول إلى العملية الديمقراطية الحقيقية ، دون أن ندرك أن عملية الانتخاب هي جزء في سياق عملية ديمقراطية كاملة، لا تعطي نتائجها إلا إذا تم استكمالها. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد