المؤسسـية .. النهج المفقود

mainThumb

10-04-2013 12:10 AM

المؤسسية  هي السمة العصرية الأبرز و الأميز في الإدارة الحديثة ، وهي منهج يعتمد على الارتباط الجماعي والربط  التشاركي بعيداً عن الفردية المطلقة  و الأنانية المقيتة  ، الإدارة تحت مظلتها  لا تتغير استراتيجياتها الرئيسة وخططها الطموحة بتغير أفرادها أو موظفيها  أو مسؤوليها إلا من منطلق جماعي و جمعي . فالمؤسسية تعني أن تتخذ القرارات بصورة جماعية لا فردية، ، فلا مجال لتسلط الأفراد إلا بحدود من الصلاحيات الممنوحة واليات محددة للرقابة على ذلك المسؤول أو المدير، في هذا النهج لا ينظر إلى المدير على انه أسطورة الرجل الفريد و القائد الفذ و الرجل السوبر مان و المسؤول الحارق الخارق ذي الشخصية البراقة التي بدونها تنهار المؤسسة.

ينظر المنظرون الإداريون  إلى المؤسسية و العمل المؤسسي على إنه المنفذ الوحيد للإصلاح و المنقذ الأساس لوقف التدهور و الفساد  الإداري والمالي والخلل التنظيمي الذي تعيشه المؤسسات ، أما انعدام المؤسسية أو غيابها  فيجعل منها حقول و معامل تجارب ، لذلك يتخوف الناس  من الحكومات قصيرة المدى ، والتنقل الدائم للمسؤولين و عدم استقرار الموظفين في مواقعهم خاصة في ظل شيوع الفردية في الإدارة و غياب العمل المؤسسي ، حيث كل مسؤول من وزير أو مدير يأتي برؤى خاصة ومختلفة عمن سبقه، ثم يباشر بإلغاء قرارات غيره من الوزراء أو المدراء ، واتخاذ أخرى دون دراسة كافية ووافية و معمقة ، مما يرهق كاهل الوزارات أو المؤسسات. 

يتسم العمل المؤسسي بمزايا عديدة منها النجاح الدائم و الدائب للمؤسسات ، كما إن العمل المؤسسي يتصف بالجماعية ،  فالمؤسسة التي تنتهج المؤسسية في عملها  تعتمد على مبدأ التعاون بين أفرادها، مما يجعلها أكثر قدرة على تحقيق اهدافها ، و الصفة الثالثة للعمل المؤسسي  هي  الموضوعية،  حيث الابتعاد عن الشخصنة والذاتية و المصالح الضيقة  التي تجعل العمل معتمدا على فرد واحد، تتمحور فيه الأفكار و يصطف حوله الناس  ويتمثل فيه القيم الوظيفية السائدة في المؤسسة  ، كل ذلك يتلاشى بتركه العمل أو الوظيفة سواء بالاستقالة أو التقاعد أو النقل ،  فتعتمد المؤسسة على الفكرة المجردة التي تتميز عن الأفراد ولا تتوقف عليهم وحدهم،  كما إن العمل المؤسسي يقود إلى التكاملية،  حيث  يتحقق التكامل بين أقسام و أفراد و موظفين المؤسسة ، كل بتخصصه وقدراته وامكانياته ، فلا تتبعثر الجهود ويذهب ريحها، بل يرعاها العمل المؤسسي ويوحّدها . 

تبدو مؤسساتنا، في ظاهرها وهيكلتها  معتمدة على العمل المؤسسي و المؤسسية ، ولكنها في مضمونها وحقيقتها تقوم معظمها و في كثير من الأحيان على الفردية و الفرد  وحده مع الأسف الشديد ، سواء كان هذا الفرد وزيرا أو أميناً عاماً أو مديرا أو غيره، فتجد المؤسسة تتبعه أينما ذهب بخاطره، وتتمحور حوله، وكأنه هو القائد الملهَم، فينتظر كل عمل في المؤسسة إشرافه وتوقيعه و مباركته وكأن المؤسسة مزرعة أو ملك لأبيه ، وإذا تغير تغيرت معه سياسات المؤسسة وأهدافها ونظم عملها واستراتيجيتها ، وذلك على عكس المؤسسات التي تقوم على العمل المؤسسي و تنتهج المؤسسية في أعمالها ، حيث تجدها قائمة و ثابتة لا تهتز بتغيير رئيسها أو رأس الهرم فيها ، لأن لها أهدافا وسياسات ومناهج ثابتة مستقلة عن أشخاص مديريها. 

ومن هنا لابد من التغيير الفكري الشامل في إدارة المؤسسات و الوزرات  ، و يجب أن يدرك الجميع إن  هذا هو السبيل الوحيد  إلى التقدم والنهوض و التطور و التنمية الحقيقية ، وبغير ذلك سنظل نسير في طريق التخلف و الفساد الإداري ،وليس كافياً أن يقوم الوزير أو المدير أو المسؤول باجترار مصطلح العمل المؤسسي أو المؤسسية في أقواله و تصريحاته وخطبه وتوجيهاته ، بل عليه أن يعي  ما المقصود منه، و يضع ذلك موضع التطبيق الفعلي .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد