الغلاء وثورات الربيع العربي

mainThumb

23-07-2013 10:08 PM

في تاريخ 17/ 12/ 2010 الموافق 11/ محرم / 1432 للهجرة ، ظهرت في بلاد تونس  ثورة شعبية  تضامناً مع المُنتحر  محمد البوعزيزي !  الذي أشعل النيران في جسده بسبب  البطالة والغلاء !!  ثم امتدت هذه الثورات !! إلى بلاد العرب ..
 
والسبب هو غلاء المعيشة !! والبطالة !! وهذا الذي دفعهم لثوراتهم التي لم تجنِ إلا الويل والوبال وتفتيت البلاد وزعزعتها .. 
 
فعوام الناس خرجوا بسبب الغلاء والبطالة ، وركب ثورتهم  الإخوان المفلسون  من أجل الكرسي بلباس تحكيم الشريعة وهم أبعد الناس عن تطبيقها ، وقد مسكوا زمام مصر ، وفتحوا للروافض أبوابها .. ولكن أنقطع زمامهم وبان دجلهم .. 
 
 
ولو نظرنا إلى التاريخ وقرأنا تاريخ المسلمين العرب ، وكيف كانوا يعيشون بين فسحة وضيق ! وفقرٌ وغنى ! ومع ذلك لم نقرأ بأنهم خرجوا على حكامهم وخربوا بلدانهم بسبب  الغلاء  .
 
فقد حدث الغلاء في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما جاء عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : ( غلا السعر على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال الناس : يا رسول الله ، غلا السعر ، لو سعرت ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن الله هو المسعر ، القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال .. ) . 
 
فهذا الحديث يبين لنا بوضوح بأن غلاء الأسعار وانخفاضها بيد الله عز وجل ، تبعاً لأحوال الخصب و القحط . 
 
وقد ذكر الكاتب عبدالسلام الترمانيني في كتابه ( أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين )  كثير من المجاعات والقحط التي نزلت بالمسلمين في بلادهم .. ومن أهمها : 
 
سنة 201 للهجرة : مجاعة  في خراسان وأصبهان والري وهلاك كثير من الناس.
 
سنة 207 للهجرة :  مجاعة في الأندلس.
 
سنة 251 للهجرة : مجاعة عظيمة في الأندلس توالت عدة سنوات بسبب القحط.
 
سنة 317 للهجرة : قحط وغلاء الأسعار في الأندلس.
 
سنة 329 للهجرة : مجاعة في بغداد أهلكت كثيراً من الناس.
 
سنة 331 للهجرة : قحط وغلاء في بغداد وقد امتد القحط أربع سنوات حتى سنة (334ه) وأكل الناس الميتة وبيع العقار بالرغيف.
 
سنة 378 للهجرة :  اشتداد الغلاء والمجاعة في مصر أودت بحياة كثير من الناس.
 
سنة 397 للهجرة :  غلاء ومجاعة في العراق.
 
سنة 398 للهجرة : غلاء ووباء في مصر أفنى كثيراً من الناس بسبب انخفاض ماء النيل وقد استمر انخفاضه ثلاث سنوات حتى سنة ( 401 هـ ) .
 
سنة 411 للهجرة :  قحط في العراق وغلاء ومجاعة حتى أكل الناس الكلاب والحمير.
 
سنة 428 للهجرة : قحط ومجاعة وغلاء في مصر امتد سبع سنوات حتى سنة ( 435 هـ ) . 
 
سنة 432 للهجرة : قحط وغلاء في افريقية.
 
سنة 450 للهجرة : غلاء شديد في العراق وأكل الناس الميتة.
 
والقائمة تطول وتطول ! ولم نسمع ونقرأ بأن أهل العراق ومصر والشام وأفريقيا والأندلس قاموا على حكامهم بسبب الغلاء والمجاعات كما نشاهد اليوم ممن يدمرون بلادهم بسبب بطونهم !! 
 
وقد أطل بعض الخفافيش وأثار العوام حول مليكنا بسبب  جرة الغاز  !! كي يتسنى لهم التخريب والتدمير لصالح دول الغرب ! 
 
فقد حدث للمسلمين مجاعات وغلاء بالأسعار مما دفعهم لأكل الميتة وبيع أولادهم كما دون ذلك التاريخ ، ومع ذلك لم نقرأ بأنهم خرجوا على حكامهم كما شاهدنا في هذه الأوقات مما يسمى بـ ( الربيع العربي ) وما هو إلا ( خريفاً ) .
 
وأبناء زماننا وخاصة ممن ركب مركب  الثورات بالربيع العربي !!  لم يأكلوا الميتة ! ولم يبيعوا أبناءهم كما حدث مع المسلمين قديماً ، بل كلهم عندهم قوت يومهم ومن أنكر ذلك فهو  كذابٌ أشر  ومع هذا فقد دمروا بلدانهم بسبب بطونهم ! وركب ثوراتهم الخوارج وروج لها دعاتها كـ ( القرضاوي ومحمد حسان ! والحويني ! والعريفي ، والعودة ... ) ! 
 
أما علماء السنة فقد بينوا خطر هذه الثورات وحرمتها ومفاسدها كـ ( الفوزان و اللحيدان و الربيع المدخلي و الجابري وآل الشيخ ..... ) . 
 
 
وقد دون التاريخ   المجاعة  التي حدثت في شرقي الأردن سنة 1934 وقد نشرت الخبر  جريدة فلسطين  في ذلك الوقت ، ولم يتأفف الناس من حكوماتهم ! لأنهم يعلمون بأن  الرازق هو الله  
 
فالحاكم عند الناس مذموم حتى لو عدل !! فقد كانت المرأة في زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ تأتي بيت المال وتأخذ الخير والأعطيات وتقول : ( اللهم بدل عثمان ) !! 
 
والفرق بين عرب اليوم وعرب الأمس ، هو أن عرب اليوم عاشوا الترف وفُسحة العيش ونبذوا آثار السلف ، بخلاف العرب بالأمس فقد كانوا متمسكين بآثار سلفهم رغم ضيق عيشهم ، فعن خولة بنت قيس ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إذا مشت أمتي المطيطاء ( أي : التبختر ) وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض ) أخرجه الترمذي في ( سننه ) ( 2/53) وصححه الألباني في ( السلسلة الصحيحة ) ( 2/ 679) .  
 
وهذا الحديث يطابق حال أمتنا اليوم ،  حيث أن أسباب هذه الثورات هو  ترف العيش   وقد قال تعالى :  وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا  (16) سورة الإسراء .
 
وأغلب الذين ركبوا ثورات ( الربيع العربي !! ) هم من أهل الترف ، فالإخوان المسلمون !! من أغنى الناس ! 
 
فإذا كانت الأمة منشغلة في كسب رزقها يحدث السكون في الدولة ، وأما إذا كانوا أهل راحة وترف يتقلص أمنها وينقرض كل مسوغاتها ! وما أجمل كلام ابن خلدون في ( مقدمته )  ( 69) حيث قال : (وانغماس القبيل في النعيم وسبب ذلك أن القبيل إذا غلبت بعصبيتها بعض الغلب استولت على النعمة بمقداره وشاركت أهل النعم والخصب في نعمتهم وخصبهم، وضربت معهم في ذلك بسهم وحصة بمقدار غلبها واستظهار الدولة بها. فإن كانت الدولة من القوة بحيث لا يطمع أحد في انتزاع أمرها ولا مشاركتها فيه، أذعن ذلك القبيل لولايتها، والقنوع بما يسوغون من نعمتها ويشركون فيه من جبايتها، ولم تسم آمالهم إلى شيء من منازع الملك ولا أسبابه، إنما همتهم النعيم والكسب وخصب العيش والسكون في ظل الدولة إلى الدعة والراحة والأخذ بمذاهب الملك في المباني والملابس، والاستكثار من ذلك والتأنق فيه بمقدار ما حصل من الرياش والترف وما يدعو إليه من توابع ذلك. فتذهب خشونة البداوة وتضعف العصبية والبسالة، ويتنعمون فيما آتاهم الله من البسطة. وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك من الترفع عن خدمة أنفسهم وولاية حاجاتهم، ويستنكفون عن سائر الأمور الضرورية في العصبية، حتى يصير ذلك خلقاً لهم وسجية فتنقص عصبيتهم وبسالتهم في الأجيال بعدهم يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبية، فيأذنون بالانقراض. وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلاً عن الملك، فإن عوارض التعرف والغرق في النعيم كاسر من سورة العصبية التي بها التغلب. وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلاً عن المطالبة، والتهمتهم الأمم سواهم. فقد تبين أن الترف من عوائق الملك. والله يؤتي ملكه من يشاء.). 
 
 
 
وأكثر هؤلاء الناس ينطبق عليهم قول الشاعر :
 
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئ 
 

نصيب ولا حظ تمنى زوالها !! 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد