أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 5

mainThumb

02-12-2013 03:29 PM

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

في 12/7/2009 (الجزيرة 2010) ، تناولت الصحف البريطانية الحرب على أفغانستان بالنقد والتحليل ، وأجمعت في معظمها على "أنها حرب خاسرة وغير محددة الأهداف" ، مشيرة الى أن حركة طالبان تُقاتل بشراسة لتحقيق هدفها في دحر ما تعتبره "احتلالا أجنبيا" ، وقالت صحيفة " اوبزرفر" البريطانية في افتتاحيتها انه :" لا بُدّ من أن نعيد تحديد أهدافنا" ، في حرب أفغانستان ، وأضافت :"أن من سمتهم بالمتمردين هناك يتميزون على قوات حلف شمال الأطلسي بكونهم يعرفون كيف يكون شكل الإنتصار" ، وأشارت الصحيفة الى تصريحات وزير الخارجية البريطانية "ديفيد ميليباند" بأن :" الهدف الاستراتيجي من الحرب يتمثل في عدم إبقاء أفغانستان ملاذا آمنا أمام تنظيم القاعدة لتنطلق منها لنشر"الإرهاب " في العالم "، ونوهت الصحيفة الى ان ذلك السيناريو او الربط بين الهدفين "الأخلاقي والاستراتيجي" أمر غير موجود على الساحة على أرض الواقع ، وان حياة الجنود البريطانيين تُزهق سدى ، وان الاستراتيجية المتبعة هناك بحاجة الى مراجعة في ظل ما سمته بعدم توفر الإرادة السياسية للخروج من "المأزق" ،وأوضح المحللون :" أن كثيرا من الأفغان باتوا يشعرون بالإحباط وخيبة الأمل إزاء بطء العمليات العسكرية من جهة ، وإزاء الفساد الحكومي الذي استشرى في البلاد من جهة ثانية ، وأوضحوا أنه إذا ما شعر الأفغان بالأمان وأدركوا أن حكومتهم تقوم بخدمتهم فيمكن للقوات الأجنبية الأنتصار ، وإلا فالمحصلة هي أن طالبان هي المنتصرة ، مُحذرين من أنفجار المنطقة في حال السماح لطالبان بالعودة الى الحكم في البلاد "، بينما دعت صحيفة " ذي إندبندنت"  الى :" الإنسحاب من أفغانستان " ، وقالت في افتتاحيتها :" إن قوات التحالف تواجه "ورطة كبيرة" هناك ، وان القوات الأجنبية تسير على غير هدى وبلا خطط واضحة وأنها" تغرق في المستنقع " .

بينما شن الكاتب " توم إنغلهارت" في صحيفة "ذي ناشن" في 17/7/2010 ،  سلسلة من الهجمات على المصير السيء الذي آلت اليه حال قوات حلف شمال الأطلسي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية في أفغانستان ، موجها سهام نقده اللاذع نحو الجنرال" ديفيد بترايوس" قائد القوات هناك ، وقد وضع عنوانا لمقالته حمل تهكما صارخا تجاه "بيترايوس" ، فجاء بعنوان " مرض مستقبلي يدعى " ديفيد بيترايوس" ،كما سخر الكاتب من تصريحات قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ،التي وعد فيها بتحقيق هزيمة صارخة للتمرد الذي تقوده حركة طالبان ، قائلا:" دعوني أؤكد ، كما فعلت حين استلمت هذا المنصب ، أن إلتزامنا تجاه الحكومة والشعب الأفغانيين هو التزام دائم" ، وقد وعد "بيترايوس " آنذاك :"أن الولايات المتحدة الامريكية موجودة في أفغانستان " كي تربح" ،وهنا يتساءل الكاتب ، هل يستطيع الجنرال "ديفيد بترايوس" تحقيق النجاح في أفغانستان؟ هل يستطيع بعد عام إيصال الأمريكيين الى بر الأمان في هذه الدولة المدمرة؟ فما هو هذا النصر الذي يمكن أن يحققه في بلاد المخدرات والفساد؟وهل سيستدعي ذلك بقاء الولايات المتحدة هناك سنوات ، تنفق الأموال والأرواح لتأتي دولة أخرى و"تقطف" النتائج؟ ففي 12 تموز، وامام لجنة مشتركة في الكونغرس ، قدم "ديفيد بيترايوس" شهادته في واشنطن ، القيت خلالها تحيات تليق بالبطل الفاتح ، أعلن الجنرال "بيترايوس" إنسحاب أول ألف جندي أمريكي من أفغانستان هذا الشهر ، وحينما حل مكان " ستانلي ماكريستال" الذي فقد صدقيته كمسؤول حرب أفغانستان ، أعتبر" البطل الأمريكي" من جانب السيناتور "جون ماكين" ، و"الضابط الأكثر موهبة في جيله" من جانب "جورج باركر" من مجلة "ذا نيويوركر" وكـ"أول مقاتل دبلوماسي في الأمة" من جانب "كارين دو يونغ و"غريغ ويتلوك" في صحيفة" واشنطن بوست" ، فهو الذي وعد أن الولايات المتحدة موجودة في أفغانستان "كي تربح" ، منتقدو استراتيجية الحرب الخاصة بالجنرال "بترايوس" والرئيس "اوباما" من الديمقراطيين كانوا صامتين صمتا ملحوظا حين كان الجنال يتنقل بين مراكز صنع القرار في العاصمة واشنطن ، من " مركز التقدم الامريكي" ، لـ" مؤسسة انتربرايز الأمريكية" ، في الوقت الذي كان يحتفى به كبطل الساعة ومرشح رئاسي محتمل في 2016 ، وكما في 2007، حين عُين للإشراف على حرب "جورج بوش" الإبن بعدما قال المنتقدون إنه من المستحيل الاستمرار بها ، أظهرت الجداول التي أحضرها الجنرال معه الى جلسة الشهادة في الكونغرس عكس ذلك ،الوضع في أفغانستان مرّ بتحول مشابه لما حصل في العراق منذ الحضيض الذي كان فيه في تموز 2010 حيت اتفق المنتقدون والمناصرون على السواء على أن حرب التسعة أعوام بدأت تتهاوى ، وأن استراتيجية مكافحة التمرد تفشل ، وأن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تؤكد عدم شعبية الحرب المتزايدة ، تخيلوا قصصا (غير واقعية) تتصدر وسائل الإعلام في الوقت الذي يعود فيه "الجنرال السياسي" الى الوطن ، وخصوصا الى "واشنطن" المليئة بالإمتنان له، بكل المقاييس ، يمكن الحرب الأفغانية أن تتجه نحو الأسوأ اليوم ، يبدو ان مكافحة التمرد ، اي الاستراتيجية التي روّج لها الجنرال"ماكريستال" ، واخترعها الجنرال"بترايوس" ، في ورطة ، في الوقت الذي يبدو فيه أن الطالبان هم الذين يتقدمون، وقد أدى هذا الواقع الى بروز انتقادات وشكاوى من اليسار واليمين والوسط ، يولد النُقّاد من الفشل ، كما تولد الحشرات من الجثث . حلفاؤنا في الناتو يتجهون للبحث عن مخارج ، ومجددا وبحسب الخبراء، فانه من الصعب وفقا لأي منطق بسيط هزيمة طالبان، وهنا يقرر الكاتب :"بأنه فات أوان طرح سؤال ، لماذا نحن في أفغانستان" ، من الواضح أن فشل حرب مكافحة التمرد في أفغانستان سيكون كارثة باهضة الثمن ، ثمن لا يمكن توفيره، دوعنا لا ننتظر سنة كاملة لنكتشف أن هناك قدرا أسوأ ينتظرنا ، أي "نجاح" يتركنا هناك نغرق لسنوات مقبلة ، في الوقت الذي تكبر فيه متاعبنا داخل الوطن ، ...، من يحتاج الى أعراض مرض مستقبلي يُطلق عليه إسم "بيترايوس" .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد