أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 11
أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 11
" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "
ما هو الموقف الايراني من الانسحاب الأطلسي من أفغانستان ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي ان نقف على بعض الحقائق التاريخية ، فاهتمام ايران بأفغانستان له جذوره التاريخية العميقة ، وله جذوره الدينية والسياسية كذلك ، فطبيعة العلاقات بين البلدين الجارين طبيعة متلازمة تاريخيا وسياسيا وجغرافيا وحتى ثقافيا ، الا أن الغالب على تلك العلاقات التنافس الشديد والصراع المتواصل ، صراع من شقين ، صراع على الجغرافيا ، إذ كان الأفغان يأملون الوصول الى مياه البحر عبر ايران ، لان بلادهم مُغلقة تماما ، وهذا الانغلاق الجغرافي جعلهم يعيشون في عزلة تامة عن العالم الخارجي ، وصراع على الإسلام ، إذ ان الأفغان مثلوا قديما ولا زالوا يمثلون المذهب السُنّي ، وذهبوا في الدفاع عن مذهبهم شأوا بعيدا ، وحققوا له انتصارات واسعة شملت آسيا الوسطى وباكستان وافغانستان والهند ، بينما تبنت إيران المذهب الشيعي ، لا سيما في مناطق التواجد البويهي في طهران ، هذين الصراعين خلقا تاريخا حافلا من التحدي والصراعات المستمرة بين الجانبين ، بين الأفغان والفرس ، الذين يرجعهم الكثير من المؤرخين الى نفس الجنس والعرق ، الا ان التباين المذهبي احدث شرخا عميقا في العلاقات بين الطرفين ، بينما تُنبؤنا كتب التاريخ ان الأفغان لعبوا دورا تاريخيا بارزا وخطيرا في وضع حد لانتشار المذهب الشيعي في آسيا الوسطى والهند ، مثلهم بذلك مثل الأتراك ، الذين لعبوا نفس الدور تجاه الطموح الفارسية ذات البُعد المذهبي الشيعي ، حيث تحالف الأتراك مع الأفغان ضد المشروع الشيعي في ايران (الدولة البويهية ) ، وفي مصر (الدولة الفاطمية ) ، وكان للدولة الغزنوية الأفغانية الدور الأكبر في إضعاف وتحجيم الفرس الشيعة حتى داخل ايران نفسها ، واستمر الصراع الى عصرنا الحديث ، ففي مطلع القرن الثامن عشر الميلادي وجه الصفيون حملتهم العسكرية تجاه أفغانستان ، وقاموا باحتلالها ، وخصوصا احتلال مدينة قندهار معقل البشتون السنة ، وعاثوا فيها تخريبا وتدميرا ، واشتكى الناس من قمعهم وظلمهم ، الى ان توجه جماعة من الأفغان الى السلطان حسين الصفوي للتدخل لمنع قواته من قتل الناس ونهب اموالهم وممتلكاتهم ، فكان رده عليهم ردا مؤذيا ومتعجرفا ، حيث قال يخاطبهم :" إننا نُؤجرُ ونُثاب بإذلالكم " ، الأمر الذي حرك الغضب عند الأفغان ، وأوقد مراجل قلوبهم ، فثاروا ثورتهم المشهورة سنة 1709 ، 1716م ، وقتلوا الصفويين عن بكرة أبيهم ، وأعلن الأفغان الجهاد ضد الفرس الصفويين ، وزحفوا اليهم بجيش كبير واحتلوا ايران واسقطوا حكم السلطان حسين الصفوي ، وبعد مرور عقدين على الوجود الأفغاني في إيران ، وتحديدا سنة 1729م ، قاد السلطان نادر شاه ، زعيم القاجار الشيعي ، حربا ضد الأفغان السنة ، وأخرجهم من ايران ولاحقهم الى عقر دارهم ، واحتل أغلب اراضي افغانستان ، بما فيه مدينة قندهار سنة 1736م ، وخربها ، وبعد قتال استمر 25 عاما نجح الزعيم الأفغاني أحمد خان من طرد الفرس الشيعة وتحرير كامل الأراضي الأفغانية منهم ، هذا الصراع التاريخي اسنبت بذور الحقد والبغضاء والكراهية عند الأفغان ضد الإيرانين ، واستمرت العلاقات في حالة من التوتر وعدم الثقة سنوات طويلة ، بل وتشكلت عند الإيرانيين رغبات وطموحات تسعى الى منع تحقيق الوحدة الدينية والقبلية في أفغانستان ، والتركيز على ايقاع الخلافات بين قبائلها ، وتدرك ايران ان من أخطر العقبات التي تواجه مخططاتها الاستراتيجية في آسيا الوسطى (الجمهوريات الإسلامية الخمس التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق ) ، هي أفغانستان ، لا سيما التيار الديني المتشدد فيها ، ويبدو ان هناك توافق في سياسات ايران البهلوية وروسيا القيصرية في الحفاظ على تفتيت الدول الاسلامية التركية ، وهي : اوزبكستان ، قيرغيزستان ، تركمانستان ، طاجيكستان ، وقزيقستان ، حيث خضعت للاحتلال الروسي المباشر ، لقد اجتمعت لدى الزعامات الايرانية ايام الاسرة البهلوية الفارسية ، وايام الخمينية الفارسية ، مطامع مشتركة في السيطرة على مشرق العالم الإسلامي ، لا سيما وانه مخزون سكاني واقتصادي عظيم ، بل وتدغدغ احلامهم ومشاعرهم تلك الأمجاد الإمبراطورية الساسانية العريقة التي تغنى بها الشاعر الشهير " الفردوسي " ، في الشاهنامة ، والتي عاقبة على تأليفها السلطان محمود الغزنوي بالإعدام .
كانت الأسرة البهلوية وحتى سقوط آخر أباطرتهم " محمد رضا بهلوي " سنة 1979م ، يطلق عليهم وعلى ايران بشرطة الخليج ، ولعبوا نفوذا كبيرا في المنطقة العربية ، الى درجة ان أباطرة ايران كانوا محجا للكثيرين من زعماء العرب ، في الخليج وغيره ، ولا زالت تلك الأحلام تراود ايران الخمينية في إعادة أمجاد فارس ، والأمجاد التي تغنى بها الفردوسي في السيطرة الفارسية على الشرق ، الا ان الحركات الإسلامية في أفغانستان وباكستان وقفت لهم بالمرصاد ، بل وأدخلت احلام الإيرانيين في أنفاق مظلمة ومعقدة ، ولذلك لا نستغرب مباركة القيادة الإيرانية للغزو الأمريكي لأفغانستان في 7 تشرين الأول 2001م ، وعلى رأي الكاتب "احمد فهمي " في مقالته " الإستراتيجية الإيرانية في أفغانستان " مجلة البيان ، 26 /6/2013 ، إذ يقول:" فلا تزال المواجهة قائمة بين الولايات الجنوبية في أفغانستان وسكانها من البشتون السنة ، وبين الإيرانيين الذين يتوارون حاليا خلف الآحتلال الأمريكي ، وما يُلفت الإنتباه ، أن التدخل الأمريكي في أفغانستان جاء مناصرا للجانب الإيراني بصورة سافرة ، فعلى الرغم من تكرار مُطالبة المسئولين الإيرانيين بالإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ، إلا أن العداء الأمريكي يبدو واضحا للأعداء التقليديين لشيعة ايران ، اي البشتون السنة ، سواء على الجانب الباكستاني او الأفغاني ، ويصدر مسئولين امريكيون تهديدات دورية ضد مؤيدي طالبان على الجانب الباكستاني ، داعين الى تطهير الجيش الباكستاني وأجهزة المخابران من العناصر ذات الميول الدينية ، ويزعم المبعوث الأمريكي " ريتشارد هولبروك" ان "السي أي أيه" تمتلك أدلة مادية على ضلوع الاستخبارات الباكستانية في تقديم الدعم لطالبان البشتونية ، بينما كان قائد القوات الأمريكية الأميرال " مايكل مولين" يؤكد هذه العلاقة ويقول:" هناك بالطبع مؤشرات ، وهذا واحد من الأمور التي يجب ان تتغير " ، ويؤكد الكاتب "أحمد فهمي" على "أن هذا الضغط الأمريكي الهائل على الجيش الباكستاني لدفعه الى التخلي عن خلفيته الدينية التي تاسست عليها دولة باكستان من الأساس ، يُقابله تفُهم أمريكي كامل للعداء الإيراني للأفغان السنة ، فقد صرح الجنرال " ديفيد بتريوس" قائد القيادة العسكرية الوسطى بان الولايات المتحدة لها مصالح مشتركة مع إيران في أفغانستان ، وذكر ان ايران التي يُهيمن عليها الشيعة ، لا تريد عودة حكم طالبان السني ، وأنهم لا يريدون أن يروا أفغانستان في قبضة قوات سنية متطرفة " ، ويبدو ان مصالح ايران والقوات الامريكية وحلف شمال الأطلسي التقت في أفغانستان ، بل لم يُخفي الجانب الإيراني بهجته وفرحته من التدخل الأمريكي العسكري في أفغانستان ، الى درجة ان الزعيم الإيراني " هاشمي رفسنجاني" بدى فخورا ومتباهيا بقتالهم سوية مع الأمريكان ضد طالبان ، فقال في خطبة القاها بطهران :" إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان ، وساهمت في دحرها ، وأنه لو لم تُساعد قواتنا في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني " .
يبدو أن الإيرانيين أطمأنوا تمام الطمأنينة ، مثلما أطمأن المجتمع الدولي ، وفي مقدمته حلف شمال الأطلسي وامريكا ، اطمأنوا الى ان حركة طالبان ، باتت في حكم المؤكد حركة مقبورة وميتة دُفنت في تراب أفغانستان ، وأنها أضحت من حركات التاريخ والماضي ، وما عاد لها وجود في المجتمع البشري ، الى أن حان الوقت ، الذي يحمل في ثناياه اخبارا مذهلة ، ربما تفوق التصور الانساني ، حملت أنباء إعلان الزعيم الأمريكي " باراك اوباما" عن وضع خطة إنسحاب شاملة للجيش الأمريكي وجيوش الأطلسي من أفغانستان بحلول نهاية عام 2014م ، الأمر الذي أذهل كافة المحللين والخبراء السياسيين والعسكريين في العالم ، وكانت القيادة الإيرانية " آية الله العظمى المرشد الأعلى للثورة الاسلامية الايرانية " من اكثر القلقين والمرتبكين من الإعلان الامريكي للانسحاب من افغانستان ، بل وراحت تتلمس رأسها ، هل حقا سينسحب اكبر تحالف عسكري في التاريخ الإنساني (حلف شمال الأطلسي ) من أفغانستان ، ويعلن إفلاسه وهزيمته أمام ضربات حركة طالبان ؟ اما السؤال الكبير والخطير والمرعب ، هل ستعود حركة طالبان لتحكم أفغانستان ؟ واي قوة في الدنيا ستقضي عليها ، طالما ان التجمع الدولي كله لم يقدر على هزيمتهم والقضاء المبرم عليهم ؟ يا للهول ، ويا لخطورة المفاجأة .
محادثات لوضع اللمسات الأخيرة على ممر للمساعدات إلى غزة
أول رد من راغب علامة بعد منعه من الغناء في مصر
منتدى استثماري سعودي سوري يعقد الأربعاء في دمشق
إنجلترا تبلغ نهائي بطولة أوروبا للسيدات على حساب إيطاليا
وزير الاقتصاد الرقمي: مساعٍ لتوفير آلاف الوظائف بحلول 2033
الدولة الوطنية وحساسيات الهوية
سيدي أبي مدين التلمساني/ بين العرفانية والتخييل
تونس بعد أربع سنوات من انقلاب قيس سعيّد
افتتاح معرض فني وتاريخي يوثق مسيرة الملك المؤسس
سيدة تعثر على أبو بريص في وجبة شاورما من مطعم شهير بعمان
التربية تدعو هؤلاء لإجراء المقابلات الشخصية لوظيفة معلم/ـة
فصل الكهرباء عن هذه المناطق غداً من الساعة 8 صباحاً حتى 6 مساءً
مطالبات مالية على مئات الأردنيين .. أسماء
وظائف شاغرة في مؤسسات حكومية .. تفاصيل
نتائج الفرز الأولي لوظيفة أمين عام وزارة التربية .. رابط
رئيس وزراء السودان يتعهد بإعمار الخرطوم
مواعيد الترخيص المتنقل المسائي في لواء بني كنانة .. تفاصيل
مكافحة الأوبئة يعلن عن وظائف شاغرة .. صورة
مراهق يقتل شقيقته طعنا جنوب إربد
مستشفى السويداء مقبرة جماعية .. صور
نفي مزاعم حول مغادرة الرئيس الشرع وعائلته سوريا
ارتفاع أسعار الذهب في الأردن السبت 40 قرشًا
بديل جديد للسجن .. الجريدة الرسمية تنشر تعليمات المراقبة الإلكترونية