أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 11

mainThumb

16-12-2013 07:17 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 11

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

ما هو الموقف الايراني من الانسحاب الأطلسي من أفغانستان ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي ان نقف على بعض الحقائق التاريخية ، فاهتمام ايران بأفغانستان له جذوره التاريخية العميقة ، وله جذوره الدينية والسياسية كذلك ، فطبيعة العلاقات بين البلدين الجارين طبيعة متلازمة تاريخيا وسياسيا وجغرافيا وحتى ثقافيا ، الا أن الغالب على تلك العلاقات التنافس الشديد والصراع المتواصل ، صراع من شقين ، صراع على الجغرافيا ، إذ كان الأفغان يأملون الوصول الى مياه البحر عبر ايران ، لان بلادهم مُغلقة تماما ، وهذا الانغلاق الجغرافي جعلهم يعيشون في عزلة تامة عن العالم الخارجي ، وصراع على الإسلام ، إذ ان الأفغان مثلوا قديما ولا زالوا يمثلون المذهب السُنّي ، وذهبوا في الدفاع عن مذهبهم شأوا بعيدا ، وحققوا له انتصارات واسعة شملت آسيا الوسطى وباكستان وافغانستان والهند ، بينما تبنت إيران المذهب الشيعي ، لا سيما في مناطق التواجد البويهي في طهران ، هذين الصراعين خلقا تاريخا حافلا من التحدي والصراعات المستمرة بين الجانبين ، بين الأفغان والفرس ، الذين يرجعهم الكثير من المؤرخين الى نفس الجنس والعرق ، الا ان التباين المذهبي احدث شرخا عميقا في العلاقات بين الطرفين ، بينما  تُنبؤنا كتب التاريخ ان الأفغان لعبوا دورا تاريخيا بارزا وخطيرا في وضع حد لانتشار المذهب الشيعي في آسيا الوسطى والهند ، مثلهم بذلك مثل الأتراك ، الذين لعبوا نفس الدور تجاه الطموح الفارسية ذات البُعد المذهبي الشيعي ، حيث تحالف الأتراك مع الأفغان ضد المشروع الشيعي في ايران (الدولة البويهية ) ، وفي مصر (الدولة الفاطمية ) ، وكان للدولة الغزنوية الأفغانية الدور الأكبر في إضعاف وتحجيم  الفرس الشيعة حتى داخل ايران نفسها ، واستمر الصراع الى عصرنا الحديث ، ففي مطلع القرن الثامن عشر الميلادي وجه الصفيون حملتهم العسكرية تجاه أفغانستان ، وقاموا باحتلالها ، وخصوصا احتلال مدينة قندهار معقل البشتون السنة ، وعاثوا فيها تخريبا وتدميرا ، واشتكى الناس من قمعهم وظلمهم ، الى ان توجه جماعة من الأفغان الى السلطان حسين الصفوي للتدخل لمنع قواته من قتل الناس ونهب اموالهم وممتلكاتهم ، فكان رده عليهم ردا مؤذيا ومتعجرفا ، حيث قال يخاطبهم :" إننا نُؤجرُ ونُثاب بإذلالكم " ، الأمر الذي حرك الغضب عند الأفغان ، وأوقد مراجل قلوبهم ، فثاروا ثورتهم المشهورة سنة 1709 ، 1716م ، وقتلوا الصفويين عن بكرة أبيهم ، وأعلن الأفغان الجهاد ضد الفرس الصفويين ، وزحفوا اليهم بجيش كبير واحتلوا ايران واسقطوا حكم السلطان حسين الصفوي ، وبعد مرور عقدين على الوجود الأفغاني في إيران ، وتحديدا سنة 1729م ، قاد السلطان نادر شاه ، زعيم القاجار الشيعي ، حربا ضد الأفغان السنة ، وأخرجهم من ايران ولاحقهم الى عقر دارهم ، واحتل أغلب اراضي افغانستان ، بما فيه مدينة قندهار سنة 1736م ، وخربها ، وبعد قتال استمر 25 عاما نجح الزعيم الأفغاني أحمد خان  من طرد الفرس الشيعة وتحرير كامل الأراضي الأفغانية منهم ، هذا الصراع التاريخي اسنبت بذور الحقد والبغضاء والكراهية  عند الأفغان ضد الإيرانين ، واستمرت العلاقات في حالة من التوتر وعدم الثقة سنوات طويلة ، بل وتشكلت عند الإيرانيين رغبات وطموحات تسعى الى منع  تحقيق الوحدة الدينية والقبلية في أفغانستان ، والتركيز على ايقاع الخلافات بين قبائلها ، وتدرك ايران ان من أخطر العقبات التي تواجه مخططاتها الاستراتيجية في آسيا الوسطى (الجمهوريات الإسلامية الخمس التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق ) ، هي أفغانستان ، لا سيما التيار الديني المتشدد فيها ، ويبدو ان هناك توافق في سياسات ايران البهلوية وروسيا القيصرية في الحفاظ على تفتيت الدول الاسلامية التركية ، وهي : اوزبكستان ، قيرغيزستان ، تركمانستان ، طاجيكستان ، وقزيقستان ، حيث خضعت للاحتلال الروسي المباشر ، لقد اجتمعت لدى الزعامات الايرانية ايام الاسرة البهلوية الفارسية ، وايام الخمينية الفارسية ، مطامع مشتركة في السيطرة على مشرق العالم الإسلامي ، لا سيما وانه مخزون سكاني واقتصادي عظيم ، بل وتدغدغ احلامهم ومشاعرهم تلك الأمجاد الإمبراطورية الساسانية العريقة التي تغنى بها الشاعر الشهير " الفردوسي " ، في الشاهنامة ، والتي عاقبة على تأليفها السلطان محمود الغزنوي بالإعدام .

كانت الأسرة البهلوية وحتى سقوط آخر أباطرتهم " محمد رضا بهلوي " سنة 1979م ، يطلق عليهم وعلى ايران بشرطة الخليج ، ولعبوا نفوذا كبيرا في المنطقة العربية ، الى درجة ان أباطرة ايران كانوا محجا للكثيرين من زعماء العرب ، في الخليج وغيره ، ولا زالت تلك الأحلام تراود  ايران الخمينية في إعادة أمجاد فارس ، والأمجاد التي تغنى بها الفردوسي في السيطرة الفارسية على الشرق ، الا ان الحركات الإسلامية في أفغانستان وباكستان وقفت لهم بالمرصاد ، بل وأدخلت احلام الإيرانيين في أنفاق مظلمة ومعقدة ، ولذلك لا نستغرب مباركة القيادة الإيرانية للغزو الأمريكي لأفغانستان في 7 تشرين الأول 2001م ، وعلى رأي الكاتب "احمد فهمي " في مقالته " الإستراتيجية الإيرانية في أفغانستان " مجلة البيان ، 26 /6/2013 ، إذ يقول:" فلا تزال المواجهة قائمة بين الولايات الجنوبية في أفغانستان وسكانها من البشتون السنة ، وبين الإيرانيين الذين يتوارون حاليا خلف الآحتلال الأمريكي ، وما يُلفت الإنتباه ، أن التدخل الأمريكي في أفغانستان جاء مناصرا للجانب الإيراني بصورة سافرة ، فعلى الرغم من تكرار مُطالبة المسئولين الإيرانيين بالإنسحاب الأمريكي من أفغانستان ، إلا أن العداء الأمريكي يبدو واضحا للأعداء التقليديين لشيعة ايران ، اي البشتون السنة ، سواء على الجانب الباكستاني او الأفغاني ، ويصدر مسئولين امريكيون تهديدات دورية ضد مؤيدي طالبان على الجانب الباكستاني ، داعين الى تطهير الجيش الباكستاني  وأجهزة المخابران من العناصر ذات الميول الدينية ، ويزعم المبعوث الأمريكي " ريتشارد هولبروك" ان "السي أي أيه" تمتلك أدلة مادية على ضلوع الاستخبارات الباكستانية في تقديم الدعم لطالبان البشتونية ، بينما كان قائد القوات الأمريكية الأميرال " مايكل مولين" يؤكد هذه العلاقة ويقول:" هناك بالطبع مؤشرات ، وهذا واحد من الأمور التي يجب ان تتغير " ، ويؤكد الكاتب "أحمد فهمي" على "أن هذا الضغط الأمريكي الهائل على الجيش الباكستاني لدفعه الى التخلي عن خلفيته الدينية التي تاسست عليها دولة باكستان من الأساس ، يُقابله تفُهم أمريكي كامل للعداء الإيراني للأفغان السنة ، فقد صرح الجنرال " ديفيد بتريوس" قائد القيادة العسكرية الوسطى بان الولايات المتحدة لها مصالح مشتركة مع إيران في أفغانستان ، وذكر ان ايران التي يُهيمن عليها الشيعة ، لا تريد عودة حكم طالبان السني ، وأنهم لا يريدون أن يروا أفغانستان في قبضة قوات سنية متطرفة " ، ويبدو ان مصالح ايران والقوات الامريكية وحلف شمال الأطلسي التقت في أفغانستان ، بل لم يُخفي الجانب الإيراني بهجته وفرحته من التدخل الأمريكي العسكري في أفغانستان ، الى درجة ان الزعيم الإيراني " هاشمي رفسنجاني" بدى فخورا ومتباهيا بقتالهم سوية مع الأمريكان ضد طالبان ، فقال في خطبة القاها بطهران :" إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان ، وساهمت في دحرها ، وأنه لو لم تُساعد قواتنا في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني " .

يبدو أن الإيرانيين أطمأنوا تمام الطمأنينة ، مثلما أطمأن المجتمع الدولي ، وفي مقدمته حلف شمال الأطلسي وامريكا ، اطمأنوا الى ان حركة طالبان ، باتت في حكم المؤكد حركة مقبورة وميتة دُفنت في تراب أفغانستان ، وأنها أضحت من حركات التاريخ والماضي ، وما عاد لها وجود في المجتمع البشري ، الى أن حان الوقت ، الذي يحمل في ثناياه اخبارا مذهلة ، ربما تفوق التصور الانساني ، حملت أنباء إعلان الزعيم الأمريكي " باراك اوباما" عن وضع خطة إنسحاب شاملة للجيش الأمريكي وجيوش الأطلسي من أفغانستان بحلول نهاية عام 2014م ، الأمر الذي أذهل كافة المحللين والخبراء السياسيين والعسكريين في العالم ، وكانت القيادة الإيرانية " آية الله العظمى المرشد الأعلى للثورة الاسلامية الايرانية " من اكثر القلقين والمرتبكين  من الإعلان الامريكي للانسحاب من افغانستان ، بل وراحت تتلمس رأسها ، هل حقا سينسحب اكبر تحالف عسكري في التاريخ الإنساني (حلف شمال الأطلسي ) من أفغانستان ، ويعلن إفلاسه وهزيمته أمام ضربات حركة طالبان ؟ اما السؤال الكبير والخطير والمرعب ، هل ستعود حركة طالبان لتحكم أفغانستان ؟ واي قوة في الدنيا ستقضي عليها ، طالما ان التجمع الدولي كله لم يقدر على هزيمتهم والقضاء المبرم عليهم ؟ يا للهول ، ويا لخطورة المفاجأة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد