أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 13

mainThumb

22-12-2013 01:02 PM

والهند من البلدان التي تنظر بعين الريبة والقلق من تحقيق حركة طالبان اي انتصار في افغانستان ، وريبتها عظمت حينما بات الإنسحاب الأطلسي والأمريكي بحكم المؤكد من أفغانستان ، ومعلوم ان الهند شاركت بقوة في الحرب الدولية على افغانستان للإطاحة بحركة طالبان التي تحكم أفغانستان ، والتي هي بنظر الحكومة الهندية احد الأعداء الخطرين الذين يهددون أمن الهند ، بل تشكل بتحالفها مع حركة طالبان الباكستانية مصدر قلق كبير للمناطق الهندية الشمالية برمتها ، ومعلوم تاريخيا ان هناك عداء تقليدي قديم بين الهند وأفغانستان ، لأن العديد من الأسر الإسلامية الأفغانية اجتاحت اراضي الهند وأسست فيها دولا اسلامية من أبرزها الدولة الغزنوية والدولة الغورية والدولة الخلجية ، ونشرت الإسلام في ربوع الهند قرون طويلة .

لا يقل قلق الهند عن قلق دول الجوار لأفغانستان ، ايران وروسيا وحتى الصين ، فإن إعلان حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إنسحابها من أفغانستان ، تعتبره خسارة كبيرة في استراتيجتها في جنوب آسيا ، وخاصة لحليف قوي مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، هذا الحليف الذي أمن حدود الهند الشمالية من نفوذ الحركات الإسلامية المتشددة المتنامي ، بل عزت الهند في الآونة الأخيرة كافة الأعمال الإرهابية والمتطرفة - حسب وصفها - الى الجماعات الإسلامية التي تحمل مسميات مختلفة ، التي لها ارتباطات قوية مع حركة طالبان الأفغانية وحركة طالبان الباكستانية ، هذه المخاوف والقلق الهندي عبر عنه احد الكتاب الهنود وهو " هاريندار سينج" في مقالة له نشرها في مركز دراسات وتحليلات الدفاع  في الهند ، والمركز العربي للدراسات الإنسانية ، في 2 يونيو 2009 ، بعنوان " الخطر الطالباني على الهند " ، مشيرا الى الخطر الكبير الي تشكله حركة طالبان على طرفي الحدود الشمالية لباكستان والجنوبية لأفغانستان ، يقول :" وبينما  لا يزال من المبكر الحكم على شكل الخطر الطالباني المتوقع ، إلا أنه من المهم أن ندرس بضعة سيناريوهات محتملة من وجهة نظر الهند ، فمن الناجية النظرية ، يمكن ان يأتي التهديد من اتجاهين : إحداهما من خلال محاولة اختراق مكثفة عبر خط السيطرة كما حدث في آواخر التسعينيات من القرن الماضي ، عندما قام مسلحون من الحزام القبلي للبشتون باختراق الخط بعدد كبير من الأفراد والتحموا بصورة مستفزة مع قوات الأمن الهندية في جامو وكشمير ، والسيناريو الثاني ، هو انتشار أفكار طالبان داخل المناطق الحدودية الهندية ، ويمكن ان يتطور كتأثير ثانوي نتيجة للعنف المتزايد وعدم الاستقرار في باكستان ، ويفترض هذا السيناريو أن ايديولوجية طالبان سوف تؤثر اولا على سهول باكستان ، ثم بعد ذلك يتم نقلها الى الأراضي الهندية على يد أجيال أخرى من المسلحين الموالين لطالبان من اراضي باكستان ، كما يمكن أن يتزامن التهديدان مع بعضهما البعض ، وبذلك يُمثلان التهديد الأكبر " .

ويؤكد الكاتب الهندي " هاريندار سينج " ، أن محاولات الاختراق المتصاعدة من قبل حركة طالبان تُعد مؤشرا على وجود نوايا حقيقية لحركة طالبان في اختراق الهند ، وفي ذات السياق يحاول الكاتب الهندي الذي صرخ باعلى صوته محذرا من خطر حركة طالبان ، رسم صورة حسنة لوضع القوات الأمنية الهندية ، على الحدود الشمالية مع باكستان وأفغانستان ، التي اعتبرها قوات مُدربة تدريبا جيدا قادرة على مواجهة محاولات الإختراق الطالباني للهند " ، وعلى حد تعبيره ، لن يكون هناك سبب للقلق طالما  كان هناك تنسيق فعّال بين عمليات القوات الأمنية بطول خط السيطرة في جامو وكشمير ، فيبدو ان القوات الأمنية الهندية منتشرة بصورة جيدة ومؤهلة لمعالجة أي موقف أمني ، ويقترح حلولا لمنع تلك التهديدات بما يؤمن به ، وهو " الحاجة الماسة الى تقوية الآليات الأمنية المطبقة بالفعل ، ووجوب سد الثغرات الأمنية ، كما ان الهند بحاجة الى اعادة النظر في استراتيجيتها لمكافحة التمرد في كشمير (على حد زعمه) ، ويجب اضعاف قدرات الميليشيات في المناطق النائية ".

دخلت الهند الى أفغانستان بالتزامن مع الدخول الأطلسي الامريكي ،  عقب احداث 11 سبتمبر 2001م ، الا انها لم تدخل قوات عسكرية مقاتلة بصورة مباشرة ، بل توجهت الى حرب خفية داخل المجتمع الأفغاني ، العدو التقليدي للهند ، الى استغلال الأفغان الذين يمرون في ظروف اقتصادية واجتماعية وصحية وتعليمية وعمرانية في غاية التعقيد والصعوبة ، بتقديم المساعدات المالية والعملية في مواجهة تلك الظروف ، ويبدو ان السياسة الهندية في أفغانستان قامت على تحقيق مصالح اقتصادية ومالية اكثر منها سياسية ، لأن موقفها باعتراف الخبراء الاستاتيجيين الهنود وغيرهم ضعيف جدا ، بل وصفه البعض الى حد الموقف السياسي المُخجل .

في هذا السياق يرى الكاتب " عبدالحكيم مرة " في مقالته " أهداف الهند الخفية في أفغانستان" ، المنشور في مجلة  "المجتمع " الكويتية ، عدد 2065 بتاريخ 30تشرين الثاني 2013 ، أن " الهند كانت مساندا قويا للإتحاد السوفيتي اثناء احتلاله لأفغانستان عام 1979م ، وبعد الإنسحاب العسكري السوفيتي كانت الهند مؤيدا  قويا للقوات المعارضة  لحركة طالبان ، وبعد احداث سبتمر 2001 ، كانت داعما قويا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أفغانستان ، وسارعت الهند الى مد حكومة كرزاي بكافة أنواع المساعدات ، حتى بلغ حجم المساعدات المالية الهندية التي قدمتها لأفغانستان  1،3 مليار دولار ، كما تعهدت بصرف 1,2 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة ، بذلك تشغل الهند المركز السادس ضمن قائمة الدول المانحة لأفغانستان " ، ويشير ايضا الى ان "الهند عملت على تدريب ضباط وأفراد  قوات الجكومة الأفغانية ، من جيش وشرطة ومخابرات ، وتوجت العلاقات بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين الهند وأفغانستان ، والتي وقعها  الرئيس الأفغاني ورئيس وزراء الهند في اكتوبر 2011 ، كما أقامت الهند قاعدة عسكرية لها في ولاية "هلمند" ، بذريعة حماية مؤسساتها ةالعاملين الهنود في أفغانستان " ، ويبدو ان النفقات الكبيرة والمشاريع الواسعة والمتنوعة التي قدمتها الهند من اموال الخزينة الهندية للشعب الأفغاني مهددة بالمخاطر جراء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ، بل ان هذا المشروع الهندي الكبير والمهم مرشح للإنهيار السريع اذا ما غادرت قوات حلف شمال الأطلسي افغانستان ، وهو أمر يثر القلق لدى الإدارة الهندية ولدى البرلمان الهندي ايضا ، الأمر الذي دفع بالكاتب الهندي " ارفيند كوبتا " في مقالته التي نشرها في موقع " معهد دراسات الدفاع والتحليلات في الهند  IDSA" ، بعنوان " على الهند ان تعيد النظر في حساباتها في أفغانستان " ، بتاريخ 15 تشرين اول 2010 ، حيث أشار الى ان للهند مصالح حقيقية في استقرار أفغانستان ،  وقد اختارت ان تكون شريكا مهما في مساعي المصالحة بالإلتزام بانفاق ما يقرب 1،5 مليار دولار في السماعدة الأقتصادية وإعادة الإعمار ، لكن نفوذ الهند السياسي متواضع بسبب المعادلة الباكستانية الأمريكية في البلاد ، ويُرجح ان يبقى الحال على ما هو عليه في المستقبل القريب ، نظرا لإعتماد الولايات المتحدة المفرط على باكستان ، يبقى ان تبق الهند مشاركة ، مع التواري عن  الأنظار ، وأكتساب حسن ظن الشعب الأفغاني من خلال برامجها للمساعدة متعددة الوجوه ، وينبغي أن تنأى بنفسها ، مستفيدة من الخبرات الأمريكية والسوفيتية ، عن أية مغامرات مُكلفة غير محبوسة ، وعلينا كذلك الأستمرار في توضيح  خيارات الحل الإقليمي الحالي ، ويجب ان تكون للهند صلات مع كل المجموعات العرقية في أفغانستان ، خاصة مع البشتون ، بينما تعارض الهند بصورة عامة إجراء محادثات مع طالبان " الطيبة " وطالبان "الشريرة"  " .

اكثر الكتاب والمحللين الهنود تشاؤما من الانسحاب الأمريكي  من أفغانستان ، وترك الهند ومصيرها المحتوم ، هو الكاتب ،" سوشانت سارين Sushant Sareen" ، في مقالته المنشورة في معهد الدراسات  العسكرية والتحليلات  IDSA" في 20 مارس 2012 ، " أفغانستان : الخيار ات السيئة ، والعوائد الأسوأ Afghanistan :Bad Options  " "  ,Worse Outcome " ، موضحا الحالة السيئة التي تعيشها القوات الهندية والدولية في أفغانستان ، داعيا الحكومة الهندية بدلا من دفع فاتورة باهضة من الثمن ، الى البحث من مخرج آمن من أفغاستان وبأقل الخسائر .

               أعربت الهند اكثر من مرة  عن خشيتها من تداعيات الإنسحاب الأطلسي من أفغانستان على اراضيه ، لا سيما من تزايد اعداد المسلحين الفارين الى اراضيها من أفغانستان المجاورة ، عقب إنسحاب القوات الأمركية من أفغانستان ، وا المسلحين قد يلجأون الى مرتفعات همالايا  التي تعتبر منطقة نزاع بين الهند وباكستان ، هذه المخاوف الهندية دفعت بوزير الخارجية الأمريكية " جون كيري " الى زيارة خاصة الى الهند ، يوم  الأثنين 23 يونيو 2013 ، حاول من خلالها تهدئة مخاوف الهند من الإنسحاب المبرمج للقوات الأمريكية من أفغانستان ، بدعوة منه الى دور اكبر تلعبه نيودلهي في المنطقة ، وهي من التطمينات التي أكد عليها " كيري" لرئيس الوزراء الهندي" مانموهان سنج" ووزير الخارجية الهندي " سلمان  خورشيد" ، ويبدو ان مخاوف الهند كبيرة جدا ، الأمر الذي جعل وزير الخارجية الأمريكية ان يلقي خطابا قصيرا مجرد وصوله الى ارض المطار في نيودلهي ، مؤكدا على ان الولايات المتحدة الأمريكية  " واقعية جدا " ، بشأن الصعوبات التي تواجهها في أفغانستان ، واعترف بان التوصل الى اتفاق مع طالبان يحتاج الى وقت طويل على الأرجح ، قائلا ،مطمئنا الحكومة الهندية :" لنكن واضحين، أي اتفاق سياسي يجب ان يُترجم بالضرورة بقطيعة بين طالبان و"تنظيم القاعدة" ، والتخلي عن العنف ، وقبول الدستور الأفغاني ، وأكد ان أفغانستان يجب الا تصبح مجددا ملاذا للإرهاب الدولي ، ودعا الهند للعب دور رئيسي في الانتخابات الأفغانية التي ستجري في 2014 ، وقال :"أكبر ديمقراطية في العالم يُمكنها ان تقوم بدور رئيسي في مساعدة الحكومة الأفغانية على تحسين نظامها الأنتخابي ".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد