أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 15

mainThumb

28-12-2013 06:54 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 15

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

اين تقع باكستان في مشهد إنسحاب حلف شمال الأطلسي من أفغانستان ؟ فباكستان الدولة التي باتت مستهدفة جنبا الى جنب مع أفغانستان ، بل لا نبالغ  اذا ما قلنا ان باكستان ربما تشكل الهدف الإستراتيجي الأول للخطة الأطلسية في القضاء على حركة طالبان في افغانستان ، وذلك لإعتبارات هامة ، نجملها بما يأتي :

اولا : إمتلاك باكستان للسلاح النووي ، حيث أعلنت باكستان في 28 مايو 1998م عن أول تفجير نووي باكستاني ، حيث تم تفجير خمس قنابل نووية ، كان لتفجيرها وقعه المذهل على العالم برمته ، لاسيما الهند واسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية .

ثانيهما: ولادة حركة طالبان الأفغانية في باكستان ، حيث ترعرت في المدارس الدينية الباكستانية التي قامت في معسكرات اللاجئين الأفغان في باكستان ، واصبحت الحركة التي سيطرت على العاصمة الأفغانية كابول سنة 1996م على علاقة وتحالف كبيرين مع الحكومة الباكستانية .

ثالثهما: العلاقة الوثيقة بين الاستخبارات العسكرية الباكستانية وحركة طالبان ، الأمر الذي ولد مخاوف كبيرة لدى القيادة الامريكية ان مثل هذه العلاقة ربما تهدد المصالح الغربية في منطقة جنوب آسيا برمتها ، لا سيما تهديد الهند الحليف الجديد لأمريكا في المنطقة .

لقد فرض الاحتلال الروسي لإفغانستان في 27 كانون الأول 1979م ، حالة جديدة من التوتر السياسي والمني في منطقة جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط ، إذ باتت المنطقة تتخوف من حصول امتداد في الزحف الروسي نحو منطقة الخليج العربي ، وكانت باكستان اكثر الدول تضررا من الاحتلال السوفيتي لإفغانستان ، حيث أصبحت مطالبة من المجتمع الدولي ، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والعربية في تحمل مسؤولياتها تجاه تردي الأوضاع في أفغانستان ، وطولبت بفتح أراضيها أمام المهاجرين الأفغان الذين تجاوز عددهم اكثر من 2 مليون مهاجر ، بالإضافة الى فتح أراضيها أمام حركة المقاومة والجهاد الأفغانية الجديدة والتي غلب عليها الطابع الإسلامي الجهادي ، وتوفير الدعم اللوجستي والعسكري من خلال توفير السلاح الحديث للمقاتلين الأفغان ، وتدريبهم على تلك الأسلحة ، لاسيما الأسلحة  الثقيلة والمتقدمة مثل صواريخ ستنجر المضادة للطائرات .

استجابت القيادة الباكستانية ممثلة بالزعيم الباكستاني " محمد ضياء الحق " الى تلبية مطالب المجتمع الدولي ، فساهم هو وحكومته وعبر كافة القنوات السياسية والدبلوماسية للتصدى لخطر الاحتلال السوفيتي لإفغانستان ، بل وأصبحت باكستان من حينها معنية في توفير كافة  الوسائل امام حركة المقاومة الأفغانية للعمل على إضعاف التواجد السوفيتي في أفغانستان ، فقدمت الحكومة الباكستانية دعما كبيرا  الى كافة الفصائل المقاتلة ضد الروس ، مثل الاتحاد الإسلامي بزعامة عبدرب الرسول سياف ، والحزب الإسلامي بقيادة "قلب الدين حكمتيار" ، والجمعية الإسلامية بزعامة " برهان الدين رباني " ، وحركة الإنقلاب الإسلامي بقيادة " محمد نبي محمدي" ، والحزب الإسلامي ، بقيادة "يونس خالص " ، والجبهة الإسلامية التقدمية بقيادة " جيلاني" ، والجبهة الوطنية الأفغانية التحررية بقيادة " مجددي" .

نجحت باكستان بالتعاون مع معظم دول العالم  ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة  الامريكية والمملكة العربية السعودية ، في تحقيق تقدم ملموس على جبهة القتال في أفغانستان ، اذ أصبحت المقاومة الأفغانية قادرة على التعاطي مع القوات السوفيتية في الميدان ، من خلال ايقاع الكثير من القتل والأسر والاستيلاء على الاسلحة السوفيتية ، والأهم من ذلك قدرة المقاومة على اسقاط الطائرات المروحية الروسية  بواسطة استخدام صواريخ " ستنجر" المحمولة على الكتف ، وبعد مرور عشر سنوات على الاحتلال السوفيتي ، أدركت روسيا ومعها "حلف وارسو" ان وجودهم في أفغانستان لن يحقق لها ما تصبوا اليه ، وأنها ستتكبد خسائر إضافية كبيرة ان قررت البقاء هناك ، فقررت على إثرها الإنسحاب من أفغانستان سنة 1989م ، وفي مقالة نشرتها في "مجلة المجتمع الكويتية" بتاريخ 22 مارس 1988 ، العدد 859 ، بعنوان" الجهاد الأفغاني والمؤامرات الدولية " نوهت الى ان مؤتمر القمة الروسي - الأمريكي الذي عقد في العاصمة واشنطن  بين الزعيم الروسي " ميخائيل غورباتشوف " والأمريكي " رونالد ريغان" ، جاء بنتائج اهمها ،"ان الزعيم الروسي "غورباتشوف" صرح ان بلاده تعتزم الإنسحاب الكامل من أفغانستان بحلول شهر مارس المقبل تاركة البلاد لأصحابها يقررون مصيرها ولتحكمها القوى الوطنية " ، "وحينما وصل مبعوث الأمم المتحدة " دييجو كوردوفيس" الوسيط الدولي لحل الأزمة الأفغانية ، وصل الى العاصمة الباكستانية "اسلام آباد" ، حاملا رسالة الى الزعيم الباكستاني "الجنرال محمد ضياء الحق" ، وفي مقابلات مختلفة مع صحيفة " نيوزويك" الأمريكية ، صرح الزعيم الباكستاني ، ورئيس الوزراء "محمد خان جونيجو" ، :"انه ينبغي ان يشارك في المفاوضات المقبلة بعض من اعضاء حكومة كابول الموالية للإتحاد السوفيتي ، وانه يجب ان يكون لهم مكان في الحكومة الأفغانية الجديدة ، شريطة انسحاب القوات الروسية الكامل من أفغانستان " ، وفي حينها ، استغرب الزعيم الباكستاني إعلان "غورباتشوف" المفاجيء حول الانسحاب الروسي من أفغانستان ، واطلق " ضياء الحق" كلمته المشهورة ، والتي تناقلتها وسائل الآعلام الباكستانية والعالمية ، وهي قوله :"  لقد جاءنا خبر قرار الحكومة السوفيتية الإنسحاب من أفغانستان ، وان ذلك بحق يعتبر مُعجزة إلهية كبرى " ، واخيرا انسحبت القوات السوفيتية ، لتدخل أفغانستان بمرحلة سياسية عاصفة بالأحداث ، حيث قام قادة القبائل وزعماء فصائل المجاهدين المختلفة باحتلال المدن الأفغانية  الرئيسية ، واحتل "برهان الدين رباني " العاصمة كابول ، وحكمها  سنة 1992م الى سنة 1996م ، حيث تفشى الفساد والقتل وعدم الاستقارا ، بل ووقع المحضور ، اشتعل القتال بين فصائل الجهاد المختلفة ، وخلال هذه الفترة ، عملت الحكومة الباكستانية من خلال جهاز مخابراتها ، للعمل على خلق بدائل من اجل تحقيق استقرار في أفغانستان ، فتحالفت مع "حركة طالبان" التي ولدت وترعرعت في المدارس الدينية الباكستانية ، على ان غالبية عناصر حركة طالبان ينتسبون الى قبائل " البشتون" وقد ركزوا جهودهم على محاربة الفساد والجشع والانقسامات التي تفشت في صفوف المجاهدين ، ولذلك وعند قيامهم بأول توسع داخل أفغانستان ، وجدوا تجاوبا وتأييدا من غالبية الشعب الأفغاني ، ونجحوا في احتلا العاصمة "كابول" في عام 1996م ، وسيطروا على كافة الأراضي الأفغانية ما عدا بعض الجيوب الصغيرة .

وجاءت احداث 11 سبتمبر 2001م ، لتضع باكستان وحركة طالبان امام تحدي خطير وباهض الثمن ،  والقى بظلاله على الاحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية  والعسكرية ، بل وتعرضت باكستان ، باعتبارها الحليف الاستراتيجي للحركة ، ومن المؤيدين القلائل والداعمين لحركة "طالبان"   ، منذ الأيام الأولى للهجمات على "نيويورك" و"واشنطن" ، لضغوط امريكية ودولية هائلة ، تحثها على تأييد الحملة العسكرية الأمريكية ضد ما تسميه الإرهاب ، ومارست الولايات المتحدة الامريكية ضغوطا كبيرة وهائلة على باكستان للسماح  للقوات الامريكية باستخدام الأراضي الباكستانية ومجالها الجوي من اجل احتلال أفغانستان ، وقد حذرت امريكا باكستان من انها اذا لم تتعاون معها فانها لن تعتبر باكستان بعد الآن صديقا وحليفا ، وانها قد تُعرض مصالحها ومنشآتها النووية للخطر ، وهو ما جعل الرئيس الباكستاني " برويز مُشرف" يُسارع الى الشعب الباكستاني بالقول:"انه على الباكستان ان تتخذ قرارا استراتيجيا يضمن أمنها وسلامتها ومصالحها بالدرجة الأولى "، وجاء الرد الباكستاني الرسمي بالموافقة عل تأييد الحملة الأمريكية على الإرهاب ، من حينها دخلت باكستان  الحر ب على أفغانستان جنبا الى جنب مع حلف شمال الأطلسي ،  ومن يومها انتشر العنف والاضطرابات السياسية في ارجاء البلاد .

اجتاحت باكستان موجة من المظاهرات المعارضة للتدخل الأمريكي في أفغانستان ، وباتت تلك الموجة تهدد الأمن القومي الباكستاني ، حتى أثيرت شائعات بان النظام السياسي بات قاب قوسين او أدنى من الأنهيار ، وقد استخف "برويز مشرف" بمثل تلك التكهنات ، نافيا إمكانية وقوع انقلاب عسكري ، مشددا في الوقت نفسه على ان تكون باكستان دولة مسالمة مستقرة وآمنة ، وان حكومته تؤمن بحرية التعبير وتعي قيمة الديمقراطية ، ولكن عندما تستخدم هذه الحريات للتلاعب بمصير باكستان ، لا يمكن ان نبقى  مكتوفي الأيدي صامتين ، وفي 22 نوفمبر 2001م قررت باكستان إغلاق سفارة "طالبان" في إسلام أباد" .

وحين نجحت الحملة الأمريكية على أفغانستان من اسقاط حكومة طالبان ، واستولت على مقادير السلطة ، وجدت نفسها متورطة في احتلال هذا البلد ، وانها تتكبد يوميا خسائر بشرية ومادية كبيرة جدا ، راحت قياداتها العسكرية تعترف شيئا فشيئا بورطتها في أفغانستان ، وان الرأي العام الأمريكي يُمارس ضغوطات كبيرة على الإدارة الأمريكية لسحب قواتها ، بدأت بتنفيذ خطة جديدة ، وهي السعي الى ضرب العمق الاستراتيجي لحركة طالبان ، وهو القبائل  الباكستانية الواقعة على الحدود المشتركة  في وزير ستان ، ولأن القوات الأمريكية لا تستطيع القيام بالمهمة على أكمل وجه  داخل الأراضي الباكستانية ، كان لا بد من جر وتوريط القوات الباكستانية في هذه المعركة ، وفعلا تورطت باكستان في تلك الحرب ضد شعبها لحساب الاستراتيجية الأمريكية في حربها ضد "طالبان" ، ووفقا لتقرير معهد "بروكينجز" الأمريكي فان القوات المسلحة الباكستانية المشاركة في الحرب ضد حركة طالبان الأفغانية والباكستانية بلغت ذروتها سنة 2009 ، حيث شارك الجيش الباكستاني بـ(144,000 جندي ومقاتل) ، وفي سنة 2011 (144,000 جندي ومقاتل ) ما يدل على الحجم الكبير للقوات الباكستانية المشاركة للقضاء على  حركة "طالبان " التي يسميها التحالف الغربي " بحركة التمرد الإرهابية " .

لم يوقف تنحي الرئيس الباكستاني " برويز مُشرف" عن السلطلة في باكستان ، موقف الحكومة الباكستانية المنتخبة من تصعيد عملياتها العسكرية ضد حركة "طالبان " الباكستانية ، التي تعتبر الظهير الاستراتيجي لحركة "طالبان" الأفغانية ، المتواجدة في منطقة القبائل في "وادي سوات"  الاستراتيجي ، فالحكومة التي يرأسها " عاصف علي زرداري" ، ورئيس وزرائها " يوسف علي جيلاني" ، أظهرت المزيد من التعاون مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في حربها ضد طالبان ، الى درجة (وفق موقع مفكرة الإسلام) ان اقدم رئيس وزراء باكستان" يوسف علي جيلاني" على مخاطبة الباكستانيين قائلا في شهر مايو 2009 :" اننا استدعينا القوات المسلحة للقضاء على المسلحين  في مناطق القبائل الشمالية ، وان الوقت حان لوقوف الأمة (الباكستانية) الى جانب الحكومة والجيش ضد الذين يحاولون أخذ بلدنا رهينة لديهم وجعل مستقبلنا مظلما بقوة السلاح" ، "وزادت الحكومة من حملاتها العسكرية على "وادي سوات" ، وقصفته بالطيران عبر سلسلة كبيرة من الهجمات ، مما أضطر اكثر من خمسين الف مواطن للنزوح من الوادي ، وان بقية السكان البالغ عددهم اكثر من مليون ونصف مهددون بالنزوح من بيوتهم بسبب تلك الهجمات التي يقودها الجيش الباكستاني ، هذه العملية اثلجت صدر الإدارة الأمريكية ، بل جاءت في حقيقتها عقب اجتماع الرئيس الأمريكي " باراك اوباما" مع الرئيسين الباكستاني" عاصف علي زرداري" ، والأفغاني "حامد قرضاي" ، في البيت الأبيض ، حيث شددت الإدارة الأمريكية على ضرورة " تكوين تحالف ثُلاثي ، امريكي ، باكستاني وأفغاني، ضد حركة "طالبان" ، لمحاولة " استئصالها" .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد