أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 16

mainThumb

01-01-2014 12:25 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 16

"النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة"

ومع الدعم الباكستاني المتواصل ضد حركة طالبان تنفيذا لرغبة امريكا وحلف شمال الأطلسي ، الا انها لم تفلت من دائرة الإتهام بتقديم العون والمساعدة للإرهابيين  على حد وصف المزاعم الأمريكية ، ومن هنا لم يفت مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة من عمل دراسات خاصة حول باكستان وتعاونها مع حركة طالبان ، بل ان الغرب موقن تمام اليقين ان دعم باكستان لحركة طالبان لم ينقطع مطلقا ، بل هو الدعم الذي أطال أمد الحرب وقوى من عزيمة "طالبان" في الاستمرار في مواجهة حلف شمال الأطلسي ، ففي تقرير نشرته مؤسسة "راند" البحثية الأمريكية ، أكدت على ان عناصر من الإستخبارات الباكستانية وعناصر من القوات المسلحة الباكستانية ، ساعدت في تدريب حركة طالبان وأمدتهم بمعلومات بشأن تحركات القوات الأمريكية في أفغانستان ، على ان هذه الدراسة التي مولتها وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" كتبها الباحث الأمريكي "سيث جونز" ، وقدمها لوزير الدفاع الأمريكي ، الذي صرح بعد الإطلاغع عليها :" ان الولايات المتحدة تواجه صعوبات طويلة الأمد في أفغانستان ، اذا ما لم يتم القضاء على الملاذات الآمنة لطالبان  داخل باكستان ، وان الملاذات الآمنة للميليشيات المسلحة في باكستان تُهدد جهود الولايات المتحدة في أفغانستان " ، وذهبت الدراسة التي قدمتها مؤسسة " راند" بعيدا في القاء التهم على الإدارة الباكستانية ، بل وحسمت أمرها بقولها:" أن كافة حركات التمرد في أفغانستان منذ عام 1979م ( ويقصد الاحتلال السوفيتي لإفغانستان) وجدت لها ملاذات آمنة في الدول المجاورة ، وحالات التمرد الحالية لا تختلف كثيرا عن سابقاتها ، فحاليا تحظى حركة طالبان والمجموعات المتمردة الأخرى ، بمساعدة أفراد من داخل الحكومة الباكستانية ، وان مسؤولون من حلف شمال الأطلسي اكتشفوا العديد من الحالات التي أمدت فيها عناصر الاستخبارات الباكستانية مُقاتلي طالبان بالمعلومات ، وسربوا لهم انباء عن مواقع وتحركات القوات الأفغانية وقوات التحالف ، وهو ما قوض (وفق الدراسة) العديد من العمليات العسكرية لكل من الولايات المتحدة ولحلف شمال الأطلسي  ضد مقاتلي "طالبان" ، وانه الى جانب حركة طالبان ، فان هناك مجموعات مسلحة كبرى أخرى وجدت ملاذا لها في باكستان ، مثل تنظيم القاعدة وجماعة الحزب الإسلامي بقيادة القائد الراديكالي "قلب الدين حكمتيار" ، وشبكات حقاني التي يقودها " جلال الدين حقاني" وابنه سراج " ، ويتابع التقرير اتهاماته للحكومة الباكستانية وقواتها المسلحة واستخباراتها العسكرية في تقدم الدعم لحركات التمرد الأفغانية وفي مقدمتها حركة "طالبان " ، " ان تلك المجموعات المسلحة تجد لها ملاذات آمنة في المنطقة القبلية المدارة فيدراليا ، وفي المحافظات الحدودية في الشمال الغربي ، وفي محافظة بلوتشتان ، وتشحن الأسلحة بصورة دورية ومعها الذخائر والإمدادات الى أفغانستان من داخل باكستان ، وقد جاء عدد من المفجرين الإنتحاريين من معسكرات اللاجئين الأفغان المتواجدة داخل الأراضي الباكستانية " ، ودعت الدراسة الإدارة الأمريكية وحلفاؤها للمساعدة في بناء قوات الأمن الأفغانية وبخاصة قوات الشرطة من أجل تحسين قدرات الحكومات المحلية ، بينما رفضت الحكومة الباكستانية كل التهم الموجهة اليها في التقرير ، وأنكرت بصورة كبيرة ، وعلى لسان الناطق والمتحدث العسكري الباكستاني ، أنكرت الحكومة الباكستانية ما ورد في التقرير من دعمها للمتمردين ، بينما اعترفت بوجود مشكلات تتعلق باختراق المقاتلين لحدودها ، ويقول المتحدث باسم الجيش الباكستاني " الجنرال آثار عباس" في اي وقت يتم التعرف فيه على تلك الأماكن او يشير الينا أحد بوجودها فأننا نتخذ إجراءات فورية ضد تلك المناطق ، لذلك فأننا نرفض أية مزاعم بوجود ملاذات آمنة يدعمها الجيش الباكستاني او الاستخبارات العسكرية الباكستانية " .

لم تتوقف وتيرة الإتهامات الأمريكية للحكومة الباكستاني في دعمها المتواصل والسري لحركة طالبان الأفغانية ، ولم تتوقف أفكار قيادات صانعي القرار والاستراتيجيات الأمريكية من الضغط المتواصل على باكستان ، من أجل ايقاف اي نوع من المساعدات للحركة ، وذلك سعيا للقضاء المبرم على الحركة واستئصالها في نهاية المطاف ، الى درجة ان يصل الأمر  ب" نيويورك تايمز" الى  نشر دراسة جديدة للكاتب " سيث جونز"  في 4 كانون الأول/ديسمبر 2009م ، قدمها لمؤسسة " راند" البحثية ،  والتي عنونها بعنوان يحمل خطورة كبرى على مستقبل باكستان  وأمنها الوطني ، جاء ت بعنوان " نقل الحرب الى باكستان" ، وكأن الأمريكان باتوا على يقين بان حربهم ضد حركة طالبان تتعرض لفشل ذريع ، فالجنرال الأمريكي " ستانلي ماكريستال" قائد القوات الأمريكية في أفغانستان ، أشار مرارا الى ان هناك العديد من القضايا التي يجب التركيز عليها ، بناء قوات جيش وشرطة أفغانية تتمتع بالكفاءة ، وتتبنى اجراءات مكافحة الفساد ، وان تعيد دمج العناصر المعتدلة من حركة "طالبان" ومن مقاتلي التمرد الآخرين الى المجتمع الدولي والى السياسة الأفغانية " .

اعتبرت الدراسة التي تبنتها مؤسسة " راند" "أن معاقل طالبان في باكستان هي القضية الأكثر صعوبة ، والتي هي خارج سيطرة "ستانلي ماكرستال" ، بل ويعتبر اقليم بلوتشستان الذي يتوزع بين أفغانستان وباكستان وايران ، من أكثر المناطق خطورة على الوجود الأمريكي في أفغانستان ، وهو ذات الخطأ الذي وقع فيه الاتحاد السوفيتي في الثمانينات من القرن الماضي ، عندما فشلوا في التحرك ضد أكبر سبع معاقل رئيسية لجماعات المجاهدين في باكستان " ، معتبرة الدراسة ان :" تلك المعاقل هامة للغاية ، لان الحرب في أفغانستان يتم تنظيمها وادارتها من "بلوتشستان" ، حيث يتحرك فيها العديد من قادة كبار الجماعات والزعماء العسكريين ، ويذهي " سيث جونز" كاتب التقري الذي يطالب بنقل الحرب الى باكستان ، "أن أحد قادة المارينز صرح له اثناء جولة له في أفغانستان بان :"معاقل طالبان في بلوتشستان  تعتبر كارثية بالنسبة لنا ، فعن طريقها يحصل مقاتلوا طالبان على الإرشادات العملياتية والاستراتيجية عبر الحدود ، بالإضافة الى الإمدادات والمواد التقنية التي يصنعون منها قنابلهم إرتجالية الصنع ، واعتبر ان لحركة طالبان في "يلوتشستان" لجا متعددة عاملة ، هي:" لجنة إعلامية ، ولجنة عسكرية ، ولجنة مالية ، ويمارس مجلس شورى حركة طالبان سلطة على مقاتلي طالبان الأقل رتبة ، وذلك المجلس يتكون من قائد أعلى لطالبان ، وهو الملا "محمد عمر" ، ثم نائبه الأساسي "الملا عبدالغني برادار" ، وقائده العسكري " عبدالله ذاكر " ،وحتى الآن فشلت باكستان والولايات المتحدة الأمريكية في استهدافهم ، فقد قام الجيش الباكستاني وقوات حرس الحدود الباكستانية بالعديد من العمليات العسكرية في المناطق القبلية الباكستانية في الشمال ، كما قامت الولايات المتحدة بشن العديد من الهجمات بالطائرات بدون طيار هناك ، ولكن لم يتم تحقيق اي إنجاز في بلوتشستان حتى الآن " .

وخلص التقرير ، الذي قدم في خلاصته ، نصائح للقوات الأمريكية من أجل حسم المعركة وبسرعة في الهجوم على "بلوتشستان" والتخلص من قيادات طالبان والمجاهدين الأفغان الآخرين الذين يقاتلون الى جانب الحركة ، وهي نصائح جاءت سنة 2009 ، حيث بلغت المقاومة الأفغانية ضد الوجود الأطلسي ذروتها ، خلص الى دعوة " سوث جونز" الإدارة الأمريكية والجيش الباكستاني الى التحرك بسرعة لإستهداف قادة "طالبان" في ملاذهم الآمن "بلوتشستان" ، مدعيا ان هناك عدة طرق للقيام بذلك ، ولا تتطلب اي منها قوات عسكرية كبيرة ، إحداها: ان يتم شن غارات للقبض على قادة طالبان في بلوتشستان ، فمعظم قادة الحركة داخل او بالقرب من مدن بلوتشستان مثل "كويتا" عاصمة الإقليم ، ويجب ان تتم تلك العمليات بإدارة الاستخبارات والشرطة الباكستانية (التي يتهما التقري بالتواطؤ مع حركة طالبان) ، وثانيها: ضرب قادة طالبان في بلوتشستان بالطائرات المسيرة مثلما فعلت الولايات المتحدة وباكستان بصورة فاعلة في المناطق القبلية الباكستانية " ، وفي مقابلة اجراها  الكاتب الأمريكي الذي على ما يبدو له علاقات وطيدة مع الاستخبارات المركزية الأمركية ، مع أحد الدبلوماسيين الروس الذين خدموا في الجيش السوفيتي في أفغانستان ، قال له فيها:" إن الوقت يُداهمُكم ، يجب ان تتوازن جهود مكافحة التمرد في أفغانستان عن طريق استهداف حلقات القيادة في باكستان ، لا ترتكبوا نفس الخطأ الذي ارتكبناه " .

مخاوف حلف شمال الأطلسي من عدم تحقيق اهدافه في أفغاسنتان ، بل وربما التعرض للفشل العسكري، وهو ما لاحت بوادره مؤخرا على لسان اكثر من مسئول امريكي في ادارة "اوباما" ، تلك المخاوف جعلت القيادات العسكرية والأمنية في حلف الأطلسي  الى القاء اللوم  والتهم على حكومة باكستان ، باعتبارها مقصرة في مطاردة قادة طالبان وملاحقتهم ، ويبدو ان القيادات الغربية مصرة على تجريم دولة باكستان بتعاونها مع حركة طالبان ، فقد كشف تقرير سري في شهر شباط 2012 ، اوردته شبكة "فرانس 24" ، لحلف شمال الأطلسي :" أن الحكومة الباكستانية والاستخبارات في باكستان تدعم حركة طالبان في أفغانستان سرا ، وتعرفان أماكن إقامة كبار قيادي الحركة ، وأوضحت " سي بي سي" ان الوثيقة أعدت استنادا الى 27 الف استجواب لأكثر من اربعة الآف معتقل من حركة طالبان وتنظيم القاعدة ومقاتلين ومدنيين أجانب ، ومن جانبها أكدت صحيفة " تايمز"  الى ان "حركة طالبان تلقت بالطبع ضربات قاسية عام 2011 ، لكن قوة الحركة وتمويلها وقدرتها ما زالت على حالها " ، ولفت التقرير الى ان العام 2011 تضاعف فيه شعبية حركة طالبان بما في ذلك بين صفوف اعضاء الحكومة الأفغانية ، وان الكثير من الأفغان يستعدون لاحتمال عودة طالبان" . وذهب التقرير بعيدا في اتهام الحكومة والاستخبارات الباكستانية ، في لعب دور كبير في زعزعة حكومة الرئيس الأفغاني "حامد قرضاي" ، قبل انسحاب القوات الغربية ، ومساعدة كل من يهاجم ويقتل قواتها ، معتبرة الاستخبارات الباكستانية بعد قراءة التقرير " أكثر مقيتة " من طالبان نفسها ، لافتة الى ان الجهاز الباكستاني النافذ يسعى بقوة الى السيطرة على أفغانستان في المستقبل " .

كعادتها ، نفت الحكومة الباكستانية وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية "عبدالباسط" لوكالة "فرانس بريس" كل هذه المعلومات التي وردت في التقرير واعتبرتها " تافهة" ، "ولا تستحق التعليق عليها " ، وان سياستنا تقوم على عدم التدخل في أفغانستان ، ونحن نتوقع من الدول الأخرى ان تلتزم بهذا المبدأ ، كما اننا ندعم عملية المصالحة التي يقودها الأفغان في بلادهم ، مؤكدا على المعاناة الطويلة التي عانتها باكستان من النزاع الأفغاني المتواصل ، ولذلك من مصلحتنا رؤية أفغانستان مستقرة تعيش بسلام " .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد