أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 18

mainThumb

08-01-2014 11:51 AM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 18

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "


"أنتم لديكم الساعات ، لكننا لدينا الوقت" ، هذا ما قاله احد قادة طالبان الذي تم القبض عليه بيد القوات الأمريكية ، للمحققين الذين باشروا التحقيق معه ، وهي إشارة من القائد الأفغاني الى ان الوجود الأمريكي في أفغانستان مصيره الى الزوال والانتهاء ، تماما كما تنتهي صلاحية شحن بطارية الساعة ، التي اشار اليها ، بينما المقاتلين الأفغان لن يتوقفوا أبدا " ،  و يبدو ان نهاية سنة 2008 وبداية  سنة 2009 غيرت في معادلة القتال التي يقودها حلف شمال الأطلسي ضد حركة طالبان والمتعاونين معها ، حيث نجحت حركة طالبان في بناء نفسها وامتلكت ارادة منظمة غاية التنظيم في مواجهة الاحتلال الأطلسي والأمريكي لإفغانستان ، بل وراحت تحقق مكاسب على ارض الميدان ، هذا التطور في المشهد جعل العديد من القوى المشاركة مع قوات "ايساف ISAF" بالتفكير الجدي من الرحيل عن أفغانستان بسبب ماتتعرض له قواتها من خسائر بشرية كبيرة بين قتيل وجريح ، حتى الإدارة الأمريكية وبقرار من "باراك اوباما" راح يروج الى فكرة الإنسحاب من أفغانستان ، وعليه باتت الإدارة الأمريكية معنية بالدرجة الأولى في تحقيق تقدم في تقليص عدد الخسائر البشرية التي تعرض لها الجيش الأمريكي ، ناهيك عن الخسائر المالية الضخمة والتي ربما تجاوزت سقف  "تريليون دولار" حتى الآن .

شهد شهر تشرين الأول/اكتوبر 2008، سلسلة من التصريحات التي ظهرت  فيها بدرجات مختلفة إمكانية التفاوض مع حركة طالبان الأفغانية ، وذلك بسبب المقاومة المنظمة والفعالة لحركة المقاومة الاسلامية  الأفغانية "طالبان" ، فقد أبدى وزير الدفاع الأمريكي " روبرت غيتس" ، موافقته الضمنية (وكالة فرانس بريس 7تشرين الاول 2008) على اجراء مفاوضات سلام مع حركة طالبان ، قائلا:" المهم هو الفصل بين اولئك الذين يرغبون بالمصالحة والذين يرفضونها ، مؤكدا على ان هناك جزء من الحل سيقوم على أساس جعل قوات الأمن الأفغانية أقوى ، والقسم الآخر من الحل هو المصالحة مع الأشخاص المستعدين للعمل مع الحكومة الأفغانية " . وقد سبقه الجنرال الأمريكي" ديفد ماكيرنان" قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الى القول :" أن اتفاق السلطات الأفغانية مع حركة طالبان  وارد ، وان الحكومة الأفغانية هي التي يجب ان تقوم بجهود المصالحة في البلاد ، ومن خلال مؤتمره الصحفي في (2 تشرين الأول /اكتوبر 2008) في وزارة الدفاع الأمريكية ، أكد القائد الأمريكي :" في نهاية المطاف ، الحل في أفغانستان سيكون سياسيا وليس حلا عسكريا ، مطالبا بقوات عسكرية امريكية إضافية " .بينما اعترف وزير الدفاع الأفغاني "عبدالرحيم وردك" (5 تشرين ألأول /اكتوبر 2008) ، "بأنه لا يمكن حسم الحرب التي تخوضها حكومة بلاده حاليا ضد حركة طالبان ، وفصائل مسلحة أخرى في أفغانستان ، بالوسائل العسكرية فقط ، مؤكدا في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الأفغانية "كابول" ، "ان الحل العسكري وحده لن يحل الأزمة التي تعصف بالبلاد ، معتبرا انه ينبغي ان تصاحبه اجراءات سياسية واقتصادية " ، تزامنت هذه التصريحات مع تصريحات   لقائد القوات البريطانية في إقليم "هلمند" الأفغاني  ،العميد " مارك كارلتون سميت" ، أقر فيها بانه لا ينبغي توقع نصر حاسم على حركة المقاومة الإسلامية الأفغانية طالبان ، بل الاستعداد للتفاوض على صفقة مع الحركة " ، وأكد قائد القوات البريطانية في أفغاستان " مارك كريلتون سميث" على  :" أنه لا يمكن كسب الحرب ضد طالبان ، وأنه يجب التفاوض على صفقة للتصدي لقوة طالبان المتنامية ، مقترحا اتباع استراتيجية جديدة في أفغانستان ،هي " فتح حوار مع حركة طالبان طالما ان دول حلف شمال الأطلسي غير معنية بإرسال 15 الف جندي إضافي الى أفغانستان ". والغريب في الأمر ، ان تظهر تصريحات  من الجانب الإيراني على درجة كبيرة من ابداء المخاوف جراء تناول وسائل الإعلام العالمية تصريحات على لسان قادة العميلات العسكرية في أفغانستان وعلى لسان السياسيين الغربيين حول امكانية التفاوض مع حركة طالبان ، فقد صدر استنكارا واضحا من " علي لاريجاني" رئيس مجلس الشورى الإيرانية حول استياء طهران من المحاولات المكثفة في الفترة الأخيرة لمحاولة التفاوض مع حركة طالبان ، وحذر " لاريجاني" مما زعم أنه "تواطؤ غربي" مع قيادات حركة طالبان الأفغانية ، وانتكاسة للجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب ، وقد أكد "موقع مفكرة الإسلام " الالكتروني يوم الخميس (9 تشرين الأول / اكتوبر 2008) على ان المحللين السياسيين قالوا :" ان هذا الموقف الإيراني يتناسب مع حجم الدعم الكبير الذي قدمته طهران لتحالف الشمال "الشيعي"  في أفغانستان لإسقاط "إمارة طالبان " ، ومعاونة الغزو الأمريكي لأرض أفغانستان المسلمة " السنية " .

لقد برزت فكرة جديدة راح يطرحها التحالف الأطلسي في اواخر عهد إدارة "جورج بوش" ، وهي إمكانية التفاوض مع حركة طالبان الأفغانية وفتح باب الحوار مع قياداتها السياسية والعسكرية ، وهذا بالطبع يعني أحد أمرين ، الأمر الأول ،  إشارة واضحة على عجز قوات حلف شمال الأطلسي من الاستمرار في مواجهة حركة طالبان ، التي طورت اساليبها القتالية الى درجة كبيرة اوقعت الكثير من الضحايا في صفوف قوات "إيساف" ، وبالتالي فهو اعتراف رسمي بحركة طالبان التي كانت ولا زالت المستهدف الرئيسي من الاحتلال الامريكي لإفغانستان ، هذا الإعتراف قوى من موقف الحركة وجعلها اكثر ثباتا ، والأمر الأكثر اهمية ان الحديث عن التفاوض مع طالبان ساهم بدرجات كبيرة الى رفع رصيد الحركة شعبيا في الأوساط الأفغانية والباكستانية ايضا ، الأمر الآخر ، محاولة حلف شمال الأطلسي وقوات "إيساف" اختراق الحركة من خلال اغراء العديد من زعامات "طالبان" بالمناصب السياسية العليا في الدولة الأفغانية الجديدة ، بالأضافة الى ألإمتيازات المالية الكبيرة ، وبالتالي اذا ما نجحوا في تحقيق ذلك فان حركة طالبان ستتعرض لضربة قاسمة من الانقسامات الداخلية ، ويؤدي الى تشرذم الحركة وضعفها ثم هزيمتها ، وهو أمر تتفهمه حركة طالبان ، وترفضه في ذات الوقت ، ولم يكن اتخاذ قرار اغراء قيادات طالبان بالمال لتغيير ولاءهم واندماجهم مع المجتمع الأفغاني وفق ما ذهبت اليه الإدارة الأمريكية في أفغانستان ، لم يكن بالأمر السري ، فقد خصصت الولايات المتحدة مبلغ 1,3 مليار دولار لهدف استقطاب العناصر المعتدلة من حركة طالبان ، وجاء هذا الإجراء ضمن قانون عسكري وقعه الرئيس الأمريكي " باراك اوباما" ، وقد ظهر هذا الإجراء العسكري في شهر اكتوبر/تشرين ألأول 2009 ، حيث تقول فقرة من القانون السنوي للتخصيصات الدفاعية :" ان بامكانهم استخدام الأموال لدعم " إعادة الإندماج في المجتمع الأفغاني" لهؤلاء الذين يتخلون عن العنف ضد الحكومة الأفغانية ، وقد صرح رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ "السيناتور كارل ليفن" ، أنه يتصور ان الأموال ستدفع لمقاتلي طالبان سابقا لحماية مواطنيهم ".

درست الإدارة الأمريكية إمكانية اجراء مفاوضات مع حركة طالبان الأفغانية ، بعدما تأكد لديها  فشل الحل العسكري في ظل المقاومة الشرسة التي تبديها حركة طالبان والمجموعات الجهادية المتعاونة معها ، ولذلك سارع وزير الدفاع الأمريكي " روبرت غيتس" الى القول في خطابه امام وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي :"انه قد حان الوقت للوصول الى حل للوضع في أفغانستان ، وان حل الصراع هناك سيكون بطرق سياسية ، وهذا أمر وارد جدا " ، ، ويرى وزير الدفاع الأمريكي " غيتس" ، اثناء حديثة الى الصحافة  بعد اليوم الأول لحضوره اجتماع حلف شمال الأطلسي في "بودابست" ، بشأن الحرب في أفغانستان ، انه ينبغي ان يكون هناك في النهاية مفاوضات ، وأنني أؤكد في النهاية ان المصالحة ستكون جزءا من المشهد السياسي ، وان المصالحة يمكن ان تمثل النهاية السياسية للحرب في أفغانستان ، لكنها يجب ان تكون بشروط الحكومة الأفغانية ، وعلى طالبان ان تلتزم بالخضوع لسيادة الحكومة "، هذه الأفكار التي طرحها وزير الدفاع الأمريكي ، وقائد القوات البريطانية في أفغانستان ، حول ضرورة التفاوض مع طالبان ، وانهاء حالة الصراع المستعصية على الحل ، لاقت قبولا عند كامل أعضاء حلف شمال الأطلسي ، وهم الأعضاء الذين سيقوا الى الحرب ضد حركة المقاومة الإسلامية الأفغانية "طالبان " عنوة  .

خطة التفاوض مع حركة طالبان يبدو انها  وضعت بعناية فائقة ودراسة مستفيضة من قبل الإدارة الأمريكية والبريطانية التي قادت الحرب على أفغانستان ، وأرغمت العالم أجمع على الاشتراك والتعاون في هذه الحرب ، وفقا لرؤية "جورج دبليو بوش" الجديدة للسيطرة على العالم ، حيث صرح عشية الاستعدادات لشن حرب واسعة النطاق على حركة طالبان التي تحكم أفغانستان ، " من ليس معنا فهو ضدنا " ، وهي الاستراتيجية التي ورطت دول العالم في الحرب الأفغانية ، تلك الخطة التي كانت في أدراج الكتمان ، أضحت علنية ويروج لها قادة حلف شمال الأطلسي السياسيين والعسكريين ، وطالبوا الحكومة الأفغانية بالترويج لهذه الخطة ، والعمل على إشاعتها ، وبدء المحاولات لاستقطاب العناصر غير المتطرفة في حركة طالبان ، مع ان حركة طالبان صنفت بحركة "إرهابية " بكاملها ، والملاحظ ان الإدارة الأمريكية والبريطانية بالإضافة الى الحكومة الأفغانية ، هم الذين راحوا ينشطون في إعلان " إمكانية التفاوض مع حركة المقاومة الإسلامية طالبان وارد جدا " ، والغريب ان تصريحات الإدارة البريطانية والأمريكية جاءت نتيجة ضغوط هائلة مارسها الرأي العام لبلادهم من أجل الإنسحاب من أفغانستان نتيجة الخسائر البشرية الكبيرة لمواطنيهم ، ومعظم تصريحات القيادات الغربية "الأطلسية" ، حول التفاوض مع طالبان مقترنة بالفشل الذي تعرضت له الحملة الأطلسية على أفغانستان ، ومقترنة بالخسائر الهائلة التي تعرضت لها قواتهم ، ويبدو انه ترويج لتحضير الرأي العام الغربي تحديدا لاستقبال تلك الخسارة ، بل الهزيمة الكبيرة ، ففي كلمة لوزير الخارجية البريطانية "ديفيد مليباند"  (26 يوليو/تموز 2009) في مقر حلف شمال الأطلسي ، يستعرض فيها ملامح الاستراتيجية الأطلسية المقبلة للتعامل مع المسلحين في أفغانستان ، أشار الى أن:" القوة العسكرية وحدها لن تهزم طالبان وحلفاءها " ، مُقرا بان العمليات العسكرية ضد طالبان جنوبي أفغانستان الحقت خسائر جسيمة في القوات البريطانية ، وان اهداف مهمة القوات البريطانية في أفغانستان واضحة ، ولكن الرأي العام البريطاني " يريد أن يعرف ما إذا كنا سننجح أم لا ؟؟ " .

وفي حوار متلفز نظمته شبكة " بي بي سي" البريطانية في (26يناير/كانون الثاني 2010) مع الرئيس الأفغاني " حامد كرزاي" ، ورئيس وزراء بريطانيا " جوردون براون" ، وذلك قبيل انعقاد مؤتمر لندن حول أفغانستان ، جاء اللقاء مع مجموعات من الطلبة البريطانيين والطلبة الأفغان الدارسين في بريطانيا ، عبر الرئيس البريطاني عن "دعمه الكبير للخطة الأفغانية لإجراء محادثات مع طالبان " ، وان" هذا العرض في التعاون مع طالبان يشمل عنار طالبان غير المتطرفين ، والذين لديهم  إستعدادا لنبذ العنف " ، كان دفاع"كرزاي" و"براون" عن اجراء مفاوضات مع حركة طالبان  كبيرا ، الى درجة وجهت لهم  مخاوف من ان تؤدي هذه العملية الى "  تقويض الحرية التي حصل عليها الشعب الأفغاني(طبعا بعد الاحتلال الأطلسي ) ، وبينما يؤكد "حامد كرزاي" على ضرورة مواصلة البحث عن السبل الكفيلة بالتوصل الى إحلال السلام في أفغانستان ، يرى"براون" أن الخطة هي:" لإضعاف طالبان ، هناك ضرورة لتقسيمها ، ومنح اولئك الذين لديهم الأستعداد لنبذ العنف والإنخراط في العملية الديمقراطية فرصة " .وكان الرئيس الأفغاني قبلها ، وتحديدا في( 25 يناير/كانون الثاني 2010) طالب الأمم المتحدة من أجل تخفيف العقوبات المفروضة على حركة طالبان ، وبعض قادة الحركة المعتدلين .

الخطة بدأت تنفذ على يد الرئيس الأفغاني ، حيث راح يروج لعملية التفاوض مع طالبان ، باعتبارهم مواطنين أفغان يضمن لهم الدستور حقوقهم كاملة ، وبدا "كرزاي" متعاطفا مع قادة حركة طالبان الذين ما برح ويصفهم سابقا بـ"الإرهابيين" ،  هذا التعاطف (المزيف) اعلنه "كرزاي" حينما دعا في (12/7/2012) القائد الأعلى لحركة طالبان "الملا محمد عمر "  الى إلقاء السلاح ووقف القتال ضد عناصر حكومته المدعومة من حلف شمال الأطلسي ، مقابل إتاحة الفرصة له بالترشح لرئاسة البلاد التي مزقتها الحرب .وفي ( 26 أغسطس 2013) جرى لقاء بين الرئيس الأفغاني"حامد كرزاي" ورئيس وزراء باكستان" نواز شريف" في إسلام أباد للتباحث حول المسألة الأفغانية ، وفي مؤتمر صحفي بعد اللقاء ، صرح الرئيس الأفغاني :" أن أفغانستان تأمل في أن تدعم باكستان " عملية السلام الأفغانية" ، وتؤمن إمكانية او فرصة إجراء مفاوضات بين المجلس الأفغاني الأعلى من أجل السلام وحركة طالبان " ، علما بان المجلس الأعلى الأفغاني هو هيئة حكومية أنشأها "كرزاي" مهمتها إقناع حركة طالبان بالمجيء الى طاولة المفاوضات، من جانبه رحب رئيس وزراء باكستان "نواز شريف" بهذه الدعوة ، قائلا:" ان باكستان ستواصل بكل الوسائل الممكنة تسهيل جهود المجموعة الدولية لإنجاز هذا الهدف النبيل ، نعتقد ان ذلك أمرا ملحا لإنهاء النزاع والإضطراب في المنطقة " ، وفي محاولة لإظهار حسن النوايا من جانب الحكومة الأفغانية تجاه حركة طالبان ، طلبت من الحكومة الباكستانية الإفراج عن أهم مسؤول طالباني أفغاني في السجون الباكستانية ، وهو "المُلا عبدالغني برادار" ، المساعد السابق للملا "محمد عمر" ، وبناء على طلب الحكومة الأفغانية ، استجابت الحكومة الباكستانية وأفرجت عن 26 عنصرا قياديا من حركة طالبان .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد