أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 23

mainThumb

26-01-2014 06:15 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 23

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

في مقالة للكاتب البريطاني "باول روجرز" بعنوان " المهمة المستحيلة A Mission Impossible" (7 فبراير /شباط 2008) ، سلط فيها الأضواء على الاحتلال البريطاني والأطلسي لأفغانستان ، مشيرا الى :" أنه يوجد في أفغانستان انقسام كبير بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ، وهو ما انتقده وزير الدفاع الأمريكي"روبرت غيتس" ، وكذلك الزيارة المفاجئة التي قامت بها وزيرة الخارجية ألمريكية " كونداليزا رايس" ووزير الخارجية البريطانية "ديفيد ميليباند" الى العاصمة الأفغانية "كابول" في (7 فبراير/شباط 2008) عكست تلك الزيارة مدى القلق الذي يعيشه حلف "الناتو" هناك ، بل القلق الحقيقي والمزعج هو ما تشعر به الإدارة الأمريكية من ان حليفها الرئيسي في الحرب على أفغانستان  والذي تقوده الحكومة البريطانية ، قد يواجه موجة عارمة من الاحتجاجات من الرأي العام البريطاني ضد التدخل البريطاني في أفغانستان " ،  على أن التهديد الأكبر الذي يواجهه التحالف الدولي في الحرب ضد حركة طالبان الأفغانية ، هو تراجع الموقف البريطاني ، واذا حصل ذلك فانه سيكون المؤشر الأقوى على بداية انهيار حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ، ويبدو ان خسائر القوات البريطانية في جنوب أفغانستان ، وتحديدا في ولاية "هلمند" وولاية "قندهار" ، معاقل حركة طالبان ، باتت مقلقة للبريطانيين ، شعبا وحكومة ، الى درجة أن ملكة بريطانيا" إليزابيث الثانية " قد أعربت في رسالتها للشعب البريطاني بمناسبة أعياد ميلاد سنة 2010م ، عن حزنها الشديد لمقتل جنود بريطانيين في أفغانستان ، وإشارت الى ما يعانيه العديد من الأسر البريطانية نتيجة للخسائر البشرية المتزايدة  في صفوف الجنود البريطانيين هناك .

لقد كان لمقتل 106 جنود بريطانيين جنوبي أفغانستان سنة 2009 ، وهو العام الأكثر دموية بالنسبة للقوات البريطانية والأمريكية على السواء ، وعودة جثث اولئك الجنود القتلى الى بلادهم بصورة شبه يومية ، وقعه الأليم على الشعب البريطاني ، وتسبب ذلك في وقوع خلافات سياسية حادة حول جدوى المشاركة البريطانية في الصراع الدائر في أفغانستان ، لتكشف لنا صحيفة " صنداي تايمز" البريطانية في (2 أغسطس/آب 2010) ، أن القوات البريطانية الخاصة عانت من أسوأ نكسة في قوتها القتالية منذ الحرب العالمية الثانية  في أفغانستان ، حيث قتل او أصيب بجروح حوالي 80 عنصرا من تلك القوات ، جراء القتال الدائر في أفغانستان ، بينما هناك 70 جنديا بريطانيا من القوات الخاصة البريطانية في أفغانستان غير قادرة على القتال جراء تعرضهم لإصابات خطيرة ، ما يعني ان هذه القوات فقدت سدس (1/6) طاقتها القتالية الكاملة خلال تنفيذها مئات العمليات التي استهدفت قادة حركة طالبان منذ العام 2007" ، في حين يرى الكاتب "إسامة عثمان" في مقالته التي تحمل العنوان :" التورط البريطاني والأمريكي في أفغانستان " ، في ( 12/8/1430هـ)، والمنشورة في موقع"المسلم" ، :" لقد نحا الجدل السياسي تجاه التورط البريطاني في أفغانستان منحىً أكثر حدة في بريطانيا منه في الولايات المتحدة الأمريكية ، وحملت الصحافة البريطانية انتقادات لاذعة للحكومة بسبب الاستمرار في الحرب على أفغانستان ، ما جعل الشعب البريطاني لا يقوى على تحمل الخسائر البشرية المتواضعة بالقياس الى عشرات الالاف التي خسرتها بريطانيا في حروب سابقة ، وكان من أبرز الكتاب الذين فندوا دعاوى الحكومة البريطانية التي تصور إسهامها في الحرب على أفغانستان ، بأنها جزء من الحرب على الإرهاب ، هو الكاتب البريطاني الشهير "روبرت فيسك" أحد أشهر الكتاب والمحللين السياسيين لصحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية ، مشيرا الى :" أن عناصر حركة طالبان ليسوا موجودين على جبهات الدول الغربية ، ولا هم يحلقون بطائراتهم فوق "ليفربول" البريطانية " ، داعيا الى سحب القوات البريطانية وإعادتها الى بلادها ، في ظل ارتفاع نسبة التقلى منهم أمام هجمات طالبان ، متسائلا عن مدى صبر الأهالي والشعب البريطاني واستمرارهم في دعم المهمة هناك؟؟ ، وفي ذات الصحيفة أشار الكاتب الإنجليزي " ادريان هاميلتون" الى :" أن بريطانيا تخوض حربا لا يؤمن بها نصف السكان " ، والمسألة المهمة على حد تعبير "أسامة عثمان"  في هذا التصدع الكبير في الجبهة الداخلية البريطانية تكمن في الشكوك الكبيرة التي تعتري الجمهور  والنخبة ، في الجدوى من هذه الحرب ، وهؤلاء  لا يرون رابطا  قطعيا بين القضاء على حكم طالبان وحماية بريطانيا من "الإرهاب" ، وان الرسائل التي تبعثها حركة طالبان الى الشعب البريطاني بأنها المعتدى عليها في بلادها وأنها تهتم برد العدوان ، وليست معنية بالحرب على الشعب البريطاني والشعوب الغربية في بلادها " ، كان لها وقعها على المواطن البريطاني بشكل كبير ، وتحرص الصحافة البريطانية على الاحتفاظ بصور القتلى وحتى صور الجرحى من الجنود البريطانيين الذي قتلوا او أصيبوا في جنوب أفغانستان ، فموقع "بي بي سي" يحتفظ بأسماء وصور ومعلومات عن قتلى الجنود البريطانيين في أفغانستان ، بينما بلغ عدد من قتل من البريطانيين في أفغانستان حتى تاريخ 23 ديسمبر /كانون الأول 2013م ، وفق صحيفة " ذي غارديان" حوالي 446 قتيلا، وعدد الجرحى والمصابين  منذ سنة 2003 ولغاية سنة 2010م حوالي 17,130 مصابا ، وقد وردت تلك الإحصائيات تحت عنوان :" القتلى والجرحى البريطانيين في أفغانستان :شهرا بشهر "   BRITISH DEAD AND WONDED IN AFGHANISTAN:MONTH BY MONTH  " " .

فرنسا الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية ، والعضو القوي في حلف شمال الأطلسي ، بدأت هي الأخرى تتوجع وتتألم من الضربات المؤلمة التي توجهها حركة طالبان الى جنودها المتواجدين في ولاية "كابيسا" شمال شرق العاصمة الأفغانية "كابول"  البالغ عددهم 3800 جنديا ، قتل من القوات الفرنسية على يد قوات حركة طالبان حتى سنة 2012 حوالي 82 جنديا فرنسيا ، وأصيب من الفرنسيين حوالي 725 جنديا اصابات الكثير منهم خطيرة ،وكان لمقتل الفرنسين وقعه السيء على الشعب الفرنسي ، الذي راح يطالب بالانسحاب الفوري من ارض أفغانستان ، مهما كانت ردة فعل حلف شمال الأطلسي تجاه ذلك ، الا ان الإدارة الفرنسية بقيت مترددة في اتخاذ قرار استثنائي بهذا الصدد ، الا ان الذي خربط الأوراق الفرنسية ، حادثة مقتل أربعة جنود فرنسيين غير مسلحين على يد جندي مسلح في الجيش  الأفغاني (الجمعة 26صفر 1433هـ/20 يناير /كانون الثاني 2012)(العربية) ، كان لها أثرا بالغ الألم على الشارع الفرنسي ، حيث لقوا النبأ بمزيد من الغضب والحيرة ، لأن من قام على قتل الجنود الفرنسيين هم من يدربهم الفرنسيين ، ويقوموا على تأهيلهم ، الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي " نيكولا ساركوزي" في خطاب  تهنئة السلك الدبلوماسي الفرنسي بالعام الجديد ، حيث أشار الى أن العودة المبكرة لجنوده من أفغانستان قد تصبح مطروحة قريبا" ، و"أن الجيش الفرنسي موجود في أفغانستان ليحارب الإرهاب وطالبان ، وليس ليكون معرضا لنيران جنود أفغان " ، "أعلن الآن وقف عملياتنا لتدريبهم ، وإذا لم تتوافر الشروط الأمنية سنطرح احتمال العودة المبكرة لجنودنا " ، هذه الحادثة دفعت بوزير الدفاع الفرنسي " جيرار لونغي" الى التوجه على عجل الى أفغانستان للوقوف على ظروف حادث اغتيال الجنود الفرنسيين ، بينما وجه " الان جوبيه" انتقادا لاذعا للموقف الافغاني ازاء الجنود الفرنسيين الموجودين في بلادهم  :" إنه من غير المفهوم ولا المقبول أن يغتال جنود أفغان جنودنا الذين جاؤوا لمساعدتهم في كفاحهم من أجل الحرية والديمقراطية " ، في الوقت الذي صرح الإعلامي والصحفي الفرنسي الذي يعمل في القناة الفرنسية الثالثة " كريستيان مالار" حول اغتيال الجنود الفرنسيين :" أن طالبان ربحت الحرب ، وعلى فرنسا سحب قواتها وليس الانتظار لعام 2014م، وسيكون على الجنود الغربيين الإنسحاب مطأطئي الرؤوس كما فعل السوفييت " .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد