أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 25

mainThumb

01-02-2014 02:36 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 25

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

المانيا من الدول التي شاركت في قوات قتالية ضد حركة طالبان الأفغانية ، فبلغ تعداد قواتها حوالي 4341 جنديا ، تمركزت تلك القوات في ولاية "بغلان" وولاية "قندوز"  في أفغانستان ، وقد أطلق الزعماء والقادة الألمان العديد من التصريحات المؤيدة للحملة العسكرية في بدايتها الأولى ، ثم ما لبثوا ان اعترفوا بذنبهم على تلك الخطوة الخطيرة التي أدت الى ورطة المانيا ووقوع الكثير  من القوات الألمانية بين قتيل وجريح ، الأمر الذي أشعل الشارع الالماني بالاحتجاجات مطالبين باعادة القوات الألمانية الى وطنها ، من التصريحات الرنانة ، تلك التي أطلقها وزير الدفاع الألماني السابق " بيتر شتروك" وهو يدافع عن مهمة الجيش الألماني في أفغانستان ، حيث صرح:" إن ألمانيا تدافع عن أمنها في الهندوكوش" ، وهو يقصد أفغانستان، هذا المسؤول العسكري الألماني الرفيع ، بات اليوم ينظر بعيون أخرى لمهمة بلاده العسكرية في الهندوكوش ، خاصة بعدما أصبح مواطنا مدنيا عاديا ، وبعدما أصبح "شتروك" رئيسا لمؤسسة"فريدريش إيبرت" المقربة من الحزب الأشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي اليه ، سؤل حول ما اذا كان يعتقد ان الأمور تسير حسب المخطط في أفغانستان ، أجاب بحزم :لا ، وهل هو راض عن وجود الجنود الألمان في الهندوكوش الى اليوم؟ أجاب :بالطبع لا ، كان " شتروك" يرأس المجموعة البرلمانية لحزبه عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001 ، حينما أعلن المستشار الألماني " غيرهارد شرودر" بعد الهجوم مباشرة تضامن بلاده "اللامحدود" مع القوة العظمى ، وكانت هذه الرسالة تؤذن بان ألمانيا مستعدة لإرسال جنودها الى أفغانستان ، ووفق صحيفة الراية في 21يوليو /تموز 2010، في مقالة لسمير عواد ، فان "شتروك " صرح :"كنا نعتقد أن المهمة سوف تستغرق عاما ثم نعود ، لكننا بالتأكيد لم نتصور أننا سنبقى هناك حتى اليوم ، لقد خدعنا أنفسنا" .

إن المانيا لا زالت في حالة "حرب" ، ولا يسمع الراي العام الألماني بتلك الحرب إلا عندما يتعرض جنود ألمانيا الى هجوم مسلح من قبل حركة طالبان ، وعلى رأي "الكاتب سمير عواد" فان وسائل الإعلام الألمانية بدأت  تتحدث حينها عن تعرض جنودها الى اعتداء ، وتتجاهل حقيقة أن فئة متنامية من الأفغان ينظرون الى الجنود الألمان والدوليين كقوة احتلال ، فالرأي العام الألماني لا يعرف لماذا الجنود الألمان ما زالوا حتى اليوم في أفغانستان ، ففي نهاية مايو /ايار 2010 ، استقال الرئيس الألماني " هورست كولر" من منصبه بعد حملة انتقادات قوية وقاسية لم يتحملها ، وذلك بعد عودته من زيارة مفاجئة الى أفغانستان ، وتصريحه لمحطة إعلامية ألمانية :" أن هناك هدفا اقتصاديا لوجود الجيش الألماني في أفغانستان ، وهو حماية طرق التجارة في المنطقة " ، كان لتسارع وتيرة الأحداث وسخونتها في ميادين أفغانستان دوره في كشف الحقائق للرأي العام الألماني ، الذي غُيب عن عمدٍ في معرفة حقيقة وجود قوات مقاتلة ألمانية في أفغانستان  ، وبقي الراي العام يتحصل على المزيد من الحقائق تباعا ، ففي شهر مايو/أيار 2010 ، حصل الرأي العام الألماني على فكرة الأوضاع المتدهورة في أفغانستان ، حينما ذكرت الأنباء أن وزير الدفاع الألماني " كارل تيودور تسوغوتنبرغ" لم يتمكن من السفر الى أفغانستان لتفقد الجيش الألماني في ولاية "بغلان" وذلك بسبب اشتباكات عنيفة وقوية بين الجنود الألمان وحركة المقاومة الإسلامية الأفغانية "طالبان" ، وصرحت الصحف الألمانية :" أن " غوتنبرغ" أراد أن يوضح للجنود الألمان في أفغانستان ،أنه رغم صعوبة المهمة ، إلا أن المواطنيين الالمان يؤيدونهم ، والغريب "وفق صحيفة الراية" من أين أتى وزير الدفاع الألماني بهذا الرأي؟  لم يعد وجود الجيش الالماني لغزا محيرا امام الرأي العام الالماني ، بل بات يدرك أن ثمن بقاء جنود بلاده في أفغانستان سيكلفهم الكثير  ، وان هذه التكلفة تزداد يوما بعد يوم ، سواء بشرية او مادية ، وان حقيقة التكلفة المادية بلغت حوالي ثلاثة مليارات يورو ، وهو ما يشكل نسبة عشرة بالمئة من ميزانية الدفاع الألمانية .

وزير الدفاع " فولكر روهي" في حكومة المستشار الألماني الأسبق " هيلموت كول" ، والذي وافقت في عهده  محكمة الدستور العليا في مطلع التسعينيات من القرن العشرين ، على  مشاركة الجنود الألمان في مهام قتالية خارج نطاق حلف شمال الأطلسي ، وحين يتحدث "روهي " اليوم عن مهمة الجيش الألماني في أفغانستان ، يبادر الى القول :"إنها خطأ وخطرة " ، بل ويتساءل :"هل من المنطقي ان المانيا تدافع عن أمنها في الهندوكوش"؟ مؤكدا على ان هذا القول خطير وغير مسؤول بل وخطر على ألمانيا ، وقال:" إن طالبان لديهم أهداف إقليمية ، ولا يفكرون بمهاجمة "هامبورغ" او "برلين" او" فرانكفورت" ، ثم ان هجمات 11 سبتمبر تم التخطيط لها في "هامبورغ" ، وليس في أفغانستان ، كذلك ، فإن الطائرات التي اختطفها منفذو الهجمات أقلعت من مطارات في الولايات المتحدة ، وليس من أفغانستان " ، ويؤيد "روهي" إنسحابا تدريجيا من أفغانستان ، قائلا :اذا ما انسحبت قوات حلف شمال الأطلسي بسرعة وانتشرت في انحاء العالم صور الإنسحاب التي تسبه صور إنسحاب الجنود الأمريكيين من " سايغون" ، فان طالبان سوف يعتبرون ذلك انتصارا لهم ، وفي النهاية هزيمة معنوية قاسية للحلف العسكري الغربي" .

ووفق معهد " بروكينجز" الأمريكي للدراسات ، فان عدد القوات الألمانية المسلحة المشاركة في الحرب على أفغانستان بلغت لسنة 2010 حوالي " 4341 جنديا" ، قتل منهم حتى سنة 2010 حوالي 54 جنديا ، بينما حددت "وكيبيديا " الانجليزية ،  عدد المصابين  من الجنود الألمان جراء العمليات العسكرية حوالي 245 مصابا ، اصابات الكثير منهم خطيرة ، كان أول القتلى الألمان يوم 6مارس/آذار 2002م ، في العاصمة الأفغانية "كابول" ، هم :" الرقيب الأول "توماس كوتشيرت" والرقيب الأول " مايك روبل" ، ومع تصاعد حدة المعارضة الشهبية الألمانية على وجود قواتها المقاتلة في أفغانستان ، ومع ما تتكبده من خسائر في الأرواح والإصابات والأموال ، فقد اعلن تحت تلك الضغوطات ، وزير الخارجية الالمانية " فرانك والتر شتاينماير" مطالبته بانهاء مهمة القوات الألمانية الخاصة في أفغانستان ، ودعا الى عدم التجديد لهذه القوات تمهيدا لإنهاء مشاركة بلاده في العملية التي تقودها الولايات المتحدة ، مطالبا بالاكتفاء بتجديد مهمة القوات الألمانية المتبقية ضمن قوات "إيساف" بمهام الاستطلاع الجوي فقط (مفكرة الاسلام، 5 اكتوبر /تشرين الأول 2008) ، كما طالب "الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري" الأئتلاف الحاكم في ألمانيا بضرورة وضع استراتيجية للعمل على انهاء مهمة الجيش الالماني في أفغانستان ، حيث ناشد رئيس المجموعة البرلمانية للحزب في البرلمان الألماني ، ناشد المستشارة الالمانية " أنجيلا ميركل" في وضع تصورات واضحة لإنهاء هذه المهمة العسكرية ، في حين أعلنت وزارة الدفاع الألمانية :"أنها لن تسمح لجنود قواتها الخاصة (كيه اس كيه) بتقديم الدعم بعد الآن لمهام مكافحة "الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان ، حيث جاء اتخاذ هذا القرار وسط إنهيار معدل التاييد الشعبي لمهمة المانيا في احتلال أفغانستان ، ومجابهة حركة المقاومة الإسلامية الأفغانية طالبان ، ووسط معارضة شديدة من جانب الساسة الألمان "مفكرة الاسلام ، 8اكتوبر/تشرين الأول 2008" ، لقد حققت الضغوطات الشعبية الالمانية اهدافها في سحب القوات الألمانية من أفغانستان ، ونجح في ارغام الإدارة الألمانية على اتخاذ قرار تاريخي ، اذ وبعد خدمة عشر سنوات فقد سلم الألمان رسميا ولاية " قندوز " الأفغانية للجيش الأفغاني ، وذلك في احتفالات رسمية المانية افغانية يوم الأحد الموافق (6 اكتوبر/ تشرين الأول 2013م)، وفق ما صرحت به الصحيفة الالمانية واسعة الانتشار " دير شبيغل" النسخة الانجليزية ، وعليه فان القوات الالمانية خرجت من المنطقة ".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد