أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 26

mainThumb

03-02-2014 05:43 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 26

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

اما كندا ، فقد شاركت بقوات مسلحة مقاتلة استجابة لرغبة الإدارة الأمريكية في الحرب على ما تسميه "ألإرهاب" في أفغانستان ، وهي ثالث أكبر دولة تشارك في الحرب على حركة طالبان ، تتكبد خسائر بشرية كبيرة ، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا ، اذ قتل من جنودها ما بين فبراير/شباط 2002 ولغاية شهر اكتوبر /تشرين الأول 2011 ، حوالي 157 جنديا كنديا ، وبلغ عدد الجنود المصابين في ارض المعركة حوالي 635 جنديا ، بينما أصيب من القوات الكندية حوالي (1214 جنديا) ، اعتبرتها الحكومة الكندية إصابات ليست في مقاتلة حركة طالبان الأفغانية ،كما بلغت الخسائر المادية التي انفقتها كندا على الحرب في أفغانستان ما بين 11-18 مليار دولار ،  اما عديد القوات المقاتلة الكندية التي ارسلت الى أفغانستان فبلغت حوالي 2500 جندي ، وذلك وفق تقرير معهد "بروكينجز" الأمريكي  المختص بدراسة وتحليل اوضاع حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ، بينما ازداد العدد ليصل في سنة 2010 الى حوالي 2922 جنديا مقاتلا، يتمركزون في ولاية "قندهار" جنوب أفغانستان ، حيث معقل حركة طالبان الأفغانية ، وفي تقري للصحفي والكاتب الكندي "لي بيرثيوم Lee Berthiaume" ، الذي نشره في صحيفة "ناشيونال بوست في(1 فبراير/شباط 2012) ، اي بعد اعلان إتمام سحب القوات الكندية المقاتلة من أفغانستان بأيام ، " ان الكنديين باتوا على علم ويقين بأن حوالي 2000 جندي  كندي أصيبوا في أفغانستان ، وأن إصابات الكثيرين منهم خطيرة ، منوها الكاتب الى ان هذه المعلومات قد حصل عليها من وزارة الدفاع الكندية ، التي أعلنت بشكل رسمي عدد المصابين من الجنود الكنديين في حربهم التي استمرت عشر سنوات في أفغانستان ، وان الذي ضاعف من حجم الإصابات في صفوف القوات المسلحة الكندية ، من قتلى وجرحى ، هي ان القوات الكندية تموضعت في مسؤولياتها في ولاية "قندهار" منذ سنة 2005 ، وهي من أكثر مناطق أفغانستان خطورة وسخونة ، لكونها معقلا من معاقل مقاتلي حركة طالبان الأفغانية ، ويؤكد " لي بيرثيوم" أن التاريخ سيكشف لنا عن دموية سنة 2009 ، التي تعرضت لها القوات الكندية على يد مقاتلي حركة طالبان ، حيث تعرضوا للعديد من الكمائن والعمليات الانتحارية ، وإطلاق الصواريخ ، وزرع العبوات والألغام ، بالإضافة الى ما تعرضت له القوات الكندية من خسائر على ايدي القوات الصديقة ، وفي هذا العام وحده قتل 32 جنديا كنديا وجرح 454 آخرين ، الا أن اعداد وزارة الدفاع لم تتضمن اسماء اولئك الآلاف من الجنود الكنديين الذين يعانون من الأمراض والإجهادات النفسية والأضرار المعنوية بسبب الصدمة التي تعرضوا لها في جبال أفغانستان ، ووفقا لدراسات حديثة لوزارة الدفاع الكندية ، توقعت ان حوالي 13,2% من القوات الكندية التي خدمت في أفغانستان  والبالغ عددها 40 الف جندي ،تعرضوا للإصابات النفسية والتي لا تقل ضررا عن الإصابات الفعلية المباشرة ، وان شؤون قدامى المحاربين Veterans Affairs Canda " أعلنت عن ان حوالي 6732 جندي كندي من المحاربين في أفغانستان تعرضوا لإصابات العجز .

اهتمت مراكز البحوث والدراسات الكندية في ملاحقة ومتابعة الوجود الكندي المسلح في افغانستان ، وهو أمر أقلق كافة الأحزاب والتوجهات الكندية ، من هذه المراكز ، مركز " الفشل في الحرب Echec ala Guerre" " echecalaguerre.org" ، الذي عمل دراسة مستفيضة حول دور كندا في احتلال أفغانستان ، وهو بمثابة وثيقة بيضاء او كتاب أبيض معبرا عن آمال وطموحات الشعب الكندي ، انقسمت الوثيقة الى خمسة أقسام ، والتي احتوت على ثمانية عشر سؤالا ، حيث خلصت تلك التساؤلات الى الاستنتاجات التالية :

- الحرب على أفغانستان ليست حربا عادلة ، وغزو أفغانستان لم يحصل على تفويض من مجلس الأمن الدولي ، ولا يمكن اعتباره تبري لغزو بالتذرع بالدفاع عن النفس .

- إعادة الإعمار ، وبناء الديمقراطية  في أفغانستان هي مجرد دعاية في اسوأ الأحوال ، فبعد خمس سنوات من التدخل الأجنبي ، لا زال البلد في وضع كارثي ، ويتبين ان لا علاقة للنوايا الحسنة على ما يحدث في أرض الواقع .

- في الواقع ، كان الهدف من هذه الحرب بناء نظام موالي للمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها ، وهذا الهجوم الواسع والذي سمي بـ " الحرب على الإرهاب" ، لم يكن الهدف منه الا توسيع رقعة الإمبراطورية الأمريكية في آسيا الوسطى ، والشرق الأوسط ، وشرق اوروبا ، وهو الهدف الحقيقي من وراء تلك الحرب .

- تُشارك كندا في هذه الاستراتيجية الأمريكية ، وذلك من أجل الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وتوقعنا ان تستفيد الشركات الكندية .

لجميع هذه الأسباب ، التي خلصت اليها مجموعة " فشل الحرب "الكندية ، ندعوا القوات المسلحة الكندية المقاتلة للإنسـحاب من أفغانستان .

حتى رئيس وزراء الحكومة الكندية " ستيفن هارير" عبر عن رأيه بكل صراحة وشجاعة ووضوح حول وجود القوات الكندية في أفغانستان ، وحول الاحتلال الأطلسي لذلك البلد ، حيث صرح في (1 مارس/آذار 2009) :" إن التمرد في أفغانستان لا يمكن دحره ، وان كندا لن تقدم المزيد من القوات دون استراتيجية واضحة للخروج ، وأن أفغانستان بحاجة الى حكومة من سكان البلاد يمكنها إدارة التمرد ، إننا لن ننتصر في هذه الحرب لمجرد بقائنا ، ان رأيي بصراحة ، هو أننا لن نتمكن ابدا من هزيمة التمرد ، وقال ايضا:"أن وجهة نظره في التاريخ الأفغاني هو ان البلاد في حالة تمرد دائمة ، وإذا ظننا أننا سننوب عن الأفغان في حكم أفغانستان ، وأننا سنكون على المدى الطويل مسؤولين عن الأمن اليومي في أفغانستان ، ونرى ذلك البلد يتحسن "فإننا مخطئون" ، بينما جاء الكاتب والصحفي الكندي" موراي بروستر" لعبر عما يختلج فؤاد كل كندي تجاه ما تقدمه بلاده من ضحايا وإصابات بشرية كبيرة في ارض الميدان في أفغانستان ، من خلال استعراضه لكتاب وضعه الصحفي والإعلامي الكندي " غرام سميث"  بعنوان :" كندا تخسـر الحرب في أفغانستان ""Canda Lost Afghanistan War" ، فأورد في مقدمة كتابه المثير ، "أننا خسرنا الحرب في جنوب أفغانستان ، وتحديدا في "ولاية قندهار" ، وأن الحرب قد كسرت فؤادي " ، والمؤلف كان مراسلا في أفغانستان لصحيفتي " غلوب و مال Globe and Mail" وقد عبر في كتابه عن ان مواجهة التمرد الذي تشهده أفغانستان لن يحقق انتصارا ، وذلك ما علمنا اياه التاريخ ، بان حركات التمرد وحروب العصابات دائما هي التي تكسب المعركة ، وما يدور في جنوب أفغانستان ، وتحديدا في "ولاية قندهار" لأمر في غاية الخطورة ولا يمكن دحره ""ذي كنديان بريس The Canadian Press" 27 سبتمبر/أيلول 2013" ، كما لخص " غرام سميث" رؤيته ورؤية الشعب الكندي المتشائمة تجاه تلك الحرب في كتابه الجديد الذي يعده للنشر والذي حمل اسما غريبا وهو :" الكلاب تأكلهم الآن The Dogs are eating them now" ، وهي إشارة من المؤلف الى جثة جندي كندي فقد في جنوب أفغانستان ولم يعثر عليه " .

أحدث مشاركة كندا بقوات مقاتلة في أفغانستان ، وتعرض تلك القوات للقتل على يد حركة طالبان الأفغانية ، أحدثت أزمات سياسية كبيرة داخل البرلمان الكندي ، ولدى الرأي العام الكندي ايضا ، لاسيما الضغط الشعبي ، ممثلا بأهالي الضحايا والمصابين العائدين من أرض أفغانستان ، وقد أثمرت تلك الضغوطات بحمل الإدارة الكندية على اعادة النظر في وجود قواتها المُقاتلة على أرض أفغانستان ، بل واتخذت القرار بالإنسحاب الكامل والنهائي من جنوب أفغانستان ، غير عابئة بردود أفعال دول حلف شمال الأطلسي ، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ، فالحرب الكندية الأولى منذ نصف قرن ، أنتهت في الساعة 11,18 صباحا بتوقيت "قندهار" ، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 7 يوليو/تموز 2011م ، حيث أقيمت احتفالات رسمية بهذه المناسبة ، حضرها ووقعها عن الجانب الكندي " العميد دين ميلنر  Dean Milner " ، وعن الجانب الأمريكي "الميجر جنرال جيمس تيري" القائد العام لقوات "إيساف" ، في جنوب أفغانستان ، والذي سلم المهمة الى "العقيد تود وود " Tod Wood" أحد كبار ضباط حلف شمال الأطلسي ، ورحبت كافة الصحف الكندية بهذا القرار ، واعتبرته لمصلحة الشعب الكندي اولا وأخيرا .

 

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد