أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 31

mainThumb

25-02-2014 10:16 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 31

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

اما عن الضباط الأردنيين الذين قضوا نحبهم في أفغانستان ، ففي 30 كانون الأول 2009 ، قتل الضابط النقيب علي بن زيد (33 سنة) في قاعدة سرية شرق أفغانستان ، مستهدفا الانفجار الانتحاري عناصر من وكالة المخابرات المركزية الأميركية"السي أي إيه"، قتل منهم سبعة، وقد استهدف هذا الهجوم الانتحاري الذي تبنته حركة طالبان ، قاعدة "تشايمان" المتقدمة في "إقليم خوست" القريبة من الحدود مع باكستان (وكالة الأنباء الأردنية بترا، 4كانون الثاني 2010)، وقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" نقلا عن مسئولون امريكيون واردنيون :"إنه على الرغم من أن مساهمة الأردن في مكافحة الإرهاب في أفغانستان نادرا ما يُعلن عنها ، الا ان المملكة تلعب دورا هاما متناميا في الحرب ضد تنظيم القاعدة ومجموعات أخرى ، وفي بعض الأحيان في دول تتخطى الشرق الأوسط ، ووصفوا هذا الدور بالهام جدا في استراتيجيتهم لمكافحة الإرهاب (واشنطن بوست ، 4/1/2010).اما مقتل الملازم الأول " ماجد عامر ابو القديري" فجاء من خلال إعلان القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية في (21 آذار 2011) ، انه في تمام  الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا ، تعرضت إحدى قوافل المساعدات الإنسانية ودورية الحراسة المرافقة لها في منطقة "لوغار" بافغانستان ،لإنفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة على جانب الطريق ، مما أدى الى مقتل الملازم الأول" ماجد عامر ابو قديري " وإصابة كل من "الرقيب اول خليل اسماعيل علي الشطي" ، والرقيب "اسماعيل محمد بني اسماعيل" ، والعريف " محمد خير ممدوح العمور" ، والجندي اول " مخلد صياح كليب المراعبة (وكالة الأنباء الأردنية)، وقد وصف العقيد الركن "مخلد عواد السحيم " قائد قوة الحماية الخاصة الأردنية، مقتل الملازم "القديري" في "ولاية لوغار"، بان :" فقدان "القديري " له أثره على المهمة هنا في أفغانستان، فقد كان من خيرة الضباط الأردنيين ، ومن الأقوياء الذين لا يستسلمون، وكان يعمل جاهدا لرفع سمعة الأردن عاليا من خلال تقديمه المساعدات الإنسانية للمحتاجين وتضميد جراحهم"، وقال:" إن مثل هذه التفجيرات متوقعة في مناطق القتال ، بما أن قواتنا ترافق قوات التحالف والقوات الأفغانية ، ولن نتأخر عن تقديم المساعدات ، وهو النشاط الأهم للقوات الأردنية ، وسنمضي قدما بقدر المستطاع ، واستطرد قائلا:" ان القوات الأردنية فخورة بالوقوف الى جانب بلد مسلم ، والعمل جنبا الى جنب مع شركائنا في قوات التحالف ، "وسنستمر في محاربة التمرد" ، ونشر الخير ومد يد العون للشعب الأفغاني ، وان هذا الحادث الأليم لن يثني قواتنا عن القيام بمهمتها الإنسانية ، وسنستمر وبدون كلل في نشر الصورة الصحيحة عن الإسلام سعيا لتحقيق الخير والأمن للبشرية (انظر Centcom.mil/ar/news/Jordan )(9/6/2011) ، كما أعلنت وكالة الأنباء الأردنية "بيترا" بتاريخ 22 ايلول 2012 ، نقلا عن مديرية التوجيه المعنوي للقوات المسلحة الأردنية :"أنه في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا تعرض أحد مواقع القوة الأردنية المنفتحة في أفغانستان ، والتي تعمل في مجال المهام الإنسانية لمساعدة الشعب الأفغاني الصديق في ولاية " لوغار" الى سقوط اربع قذائف صاروخية ، مما أدى الى استشهاد الملازم الأول "عبدالله سليمان نجيب النوافلة " ، من مرتب المنطقة العسكرية الوسطى ".

لقد ادى مقتل الضباط الأردنيين الى ظهور  مُعارضة شعبية ، وان كانت محدودة وعلى نطاق ضيق جدا  ، ضد الوجود العسكري القتالي في أفغانستان ، صحيح ان عدد القتلى لا يستوجب القلق والخوف ، ولا يستدعي إثارة الضجة تجاهه ، اذا ما قارنا تضحيات الجيش الأردني بتضحيات  قوات الدول الأخرى المشاركة في أفغانستان ، وهنا نشير الى حقيقة غاية في الأهمية ، وهي ان عدد سكان الأردن قليل جدا ، وان المجتمع الأردني القبلي والعشائري يعرف بعضه بعضا ، ولذلك فهو يتأثر بشكل كبير ومباشر على سقوط قتلى في ساحات المعارك في افغانستان ، وان كانت اعدادهم قليلة ، ربما يقتل مثلهم او اكثر في حادث مروري ، الا ان وجودهم في أفغانستان يوحي بمخاطر كبيرة ومخاوف أكبر على حياة الجنود الأردنيين في أفغانستان ، نظرا لما عرف عن أفغانستان من شراسة وشكيمة قوية في القتال ، من هنا ، انطلقت اصوات ، وان كانت قليلة باديء الأمر ، تحتج على المشاركة الأردنية القتالية في افغانستان ، وكان للتسريبات التي اطلقها موقع "ويكيليكس" حول مشاركة القوات الأردنية بمهمات قتالية وأمنية في أفغانستان ، صداه الكبير على الشارع الأردني ، علما بان الشعب الأردني لم يبدي اية معارضة على مشاركة القوات الأردنية  منذ سنة 2002 ولغاية نهاية ديسمبر 2009 ، مقرا بها تمام الإقرار لعلمه ان المشاركة هي إنسانية بالدرجة الأولى ، وهي لخدمة الشعب الأفغاني المسلم ، وعودة الى "ويكيليكس" الذي كشف عن برقية حررها السفير الأمريكي في عمان " روبرت بيكروفت" ، يوم 7 يناير/كانون الثاني 2010 ، :"أن الأردن أرسل قوات أرضية وعمليات خاصة لأفغانستان ، وأنه استجاب "بشكل استثنائي لطلب الحكومة الأمريكية  مساهمات عسكرية دعما للأولويات الأمنية والإقليمية والدولية " ، وأضافت البرقية :" أن الأردن نشر يوم 3 يونيو/ تموز 2009 ، كتيبة مشاة من 720 جنديا  في "ولاية لوغار" بأفغانستان ، حيث قامت بعمليات أمنية مع فرقة "سبارتاك" الأمريكية ، ونشرت بهدف دعم الانتخابات في المقاطعة ، وتقوم بعمليات أمنية روتينية " ، كما أشارت الوثيقة الى إسهامات الأردن في أفغانستان ، ومنها المستشفى العسكري الميداني والذي قالت :"أنه عالج منذ العام 2003 أكثر من 750 الف مريض أفغاني ، وان الأردن كان من اوائل الدول التي ارسلت فرق إزالة الألغام الى أفغانستان ، كما درب الخبراء الأردنيون كادرا من 50 شخصا من قوة مكافحة الإرهاب في الجيش الأفغاني ، كما أكدت البرقية :"أن الجيش الأردني يتحمل رواتب جنوده المنتشرين بافغانستان ، في حين تشير برقية ثانية للسفير " روبرت بيكروفت" يوم 22 يناير /كانون الثاني 2010 "أن عدد القوات الأردنية بافغانستان يبلغ 850 جنديا ، وان الأردن عرض تدريب علماء دين أفغان لمواجهة "الإيديولوجيات المتطرفة " في جامعة آل البيت  الأردنية " ، كما تضمن العرض الأردني تدريب قوات خاصة أفغانية لمكافحة الإرهاب وارسال طائرات اردنية وطيارين للمشاركة بمهمات قتالية ، لكن المسئولين الأمريكيين اعتذروا غت قبول عرض الطيارين "،(الجزيرة ، 10/2/2010).

راح الشارع الأردني يتململ ويعلن عن موافقته او رفضه للوجود العسكري الأردني في أفغانستان ، حيث انقسم الشارع الى مؤيد ومعارض على تلك المشاركة ، فصدرت بيانات رسمية وشعبية ، الشعبية ، التي رفعت شعار " أفغانستان ليست حربنا" تضمن القوى اليسارية واليمينية الأردنية ، منها الدينية ومنها القومية والناصرية والبعثية ، ولدت الحملة بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 2010 ، ثم تلاها بيان صادر عن جبهة العمل الإسلامي ، بتاريخ 12ديسمبر /كانون الأول 2010 ، رد الحكومة على تلك البيانات بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 2010 ، ثم بيان صادر عن "اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين الأردنيين ، بتاريخ 16 ديسمبر /كانون الأول 2010 ، ثم بيان صادر عن " دائرة الإفتاء الأردنية بتاريخ 17 ديسمبر /كانون الأول 2010 .

" ليست حربنا" ، أعلنت بتاريخ 12 يناير /كانون الثاني 2010 ، أي عقب شهر ونصف على تفجير قاعدة "خوست" الأفغانية ومقتل النقيب الأردني "علي بن زيد " ، الأمر الذي أثار حفيظة بعض القوى السياسية والثقافية في الأردن ، منهم رابطة الكتاب الأردنيين ، التي اعتبرت التدخل العسكري الأردني في أفغانستان منافيا للدستور الأردني الذي يضع القوات المسلحة الأردنية في مكانه المخصص له وهو حماية الوطن وحدوده ، ومع ان الموقعين على البيان تختلف توجهاتهم الدينية والسياسية ، ولا يلتقون على قضية من القضايا ، اللهم الا معارضة الدولة الأردنية فحسب ، وقد أطلق المجتمعون عبارات مثل :" ليست حربنا ولا تليق بنا ، ولا تمثلنا ، ومناقضة لمصالح الأردن الحقيقية ، وصادمة لمشاعرنا ، حرب الإمبراطورية الأمريكية في العراق وأفغانستان ، مهما ابتدعت لها من اسماء وعناوين ، فالإرهاب  الفاشي الذي يهدد الأمن والسلم العالمي هو الإرهاب الصهيوني ، الذي يشكل أخطر تهديد على وجود الأردن ومستقبله هو الأولى بالمواجهة والمقاومة "، وعند قراءة أبرز ما تضمنه البيان من نقاط  ، نلاحظ أنها تخرج عن الهدف الذي طرحت من أجله ، وهي معارضة المشاركة الأردنية في الحرب على أفغانستان ، من ذلك مُطالبة الحكومة الأردنية بمراجعة سياساتها والعمل الجاد للتخلص من اتفاقية وادي عربة ، والتأكيد  على ضرورة احترام إرادة المواطنين الأردنيين والتوقف عن مصادرة حرياتهم ، وبناء مناخ سياسي يؤسس لإصلاح سياسي حقيقي وتحول ديمقراطي ، ، والمطالبة بوقف التطبيع مع إسـرائيل(موقع القومي،13فبراير/شباط 2010) ، ونظرة على الأسماء الموقعة على البيان، فهم ينتمون الى اليسار واليمين والوسط ، القومي والديني والشيوعي ، بل منهم من يقبل الإحتلال الإيراني للمنطقة العربية ، ومنهم من يؤيد ذبح الشعوب العربية على يد ايران وروسيا .

وحول مدى جدوى المشاركة العسكرية الأردنية في الحرب على أفغانستان ، نوه الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي " زكي بني إرشيد" ، عن فحوى الفائدة التي سيجنبها الأردن من إنقاذ الأمريكان من ورطتهم في أفغانستان ، وتساءل حول إذا ما قررت القاعدة الانتقام من الأردن فهل ستمنعها امريكا التي لا تستطيع حماية جنودها من الضربات التي تتعرض لها في أفغانستان ، وقال:" أهذه حرب امركيا  وللأسف لا يوجد اي دولة عربية متورطة معها سوى الأردن ، ورأى ان الحديث عن ملاحقة الإرهاب خارج الحدود وتعزيز الدور الأردني في أفغانستان ، يشير الى ان لدينا قدرات فائضة الأولى ان توجده قدراتنا هذه لحماية وطننا من المشروع الصهيوني الذي يهدد أمننا صباح مساء(الجزيرة 13يناير/كانون الثاني 2010).

ثم جاء بيان "علما الشريعة في حزب جبهة العمل الإسلامي " الصادر بتاريخ 12ديسمبر /كانون الأول 2010 ، حيث أشار البيان الى جملة من من المواقف التي تؤمن بها جبهة العمل الاسلامي  وأنصاره في الأردن ، تجاه مشاركة الجيش الأردني في الحرب على افغانستان ، من أبرز تلك المواقف التي أعلنها علماء الشريعة في جبهة العمل الإسلامي ، أنهم " يحرمون إرسال قوات عسكرية لتقاتل مع قوات التحالف بقيادة امريكا في افغانستان ، او في اي بلد آخر " ، كما ان البيان طالب "بعدم طاعة أي أمر في معصية الله "، ولتوضيح صورة المشهد اكثر ، فقد جاء في البيان النص التالي:" الواجب يحتم على حكام المسلمين أن يرسلوا جيوشهم للقتال في صف المجاهدين الأفغان ، ويحرم عليهم خذلان إخوانهم في أفغانستان ، او في أي بلد إسلامي محتل والتخلي عنهم ،...، وان القتال مع قوات التحالف برئاسة أمركيا ينافي مُقتضى الإسلام والإيمان ، فالأصل أن يأمن هؤلاء المسلمون في أفغانستان وغيرها من البلاد المحلة على دمائهم وأموالهم ، وان تلقوا من إخوانهم الدعم والإسناد ، لا أن يستبيحوا دماءهم وأموالهم". وقد استنكرت الحكومة الأردنية ، يوم الأثنين 13 ديسمبر/كانون الأول 2010 ، وعلى لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية "أيمن الصفدي" ، ما صدر عن حزب جبهة العمل الإسلامي من فنوى أعتبرتها مُسيئة للدور الأردني الكبير الذي تؤديه القوات المسلحة في مساعدة الشعب الأفغاني الشقيق ، في الحفاظ على أمنه واستقراره وتقديم الخدمات الطبية والإنسانية له ، مؤكدة على ان الأردن يعتز بالدور الذي تقوم به القوات المسلحة الأردنية وجميع الأجهزة الأمنية في مساعدة الأشقاء والوقوف الى جانبهم ، سواء في غزة او في أفغانستان ، او في أي مكان في العالم  العربي والإسلامي ، وبالإسهامات الكبيرة التي تقدمها في حفظ السلام والأمن من خلال المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية " ، "وان الأردن سيستمر في تقديم العون والوقوف الى جانب الأشقاء بما فيهم الشعب الأفغاني الشقيق ، في مواجهة كل التحديات ، ولن يتهاون ايضا في فعل كل ما باستطاعته لحماية الأردن والأردنيين ، وأمنهم واستقرارهم من اي جهة تستهدفهم وفي اي مكان وجدت "(وكالة الأنباء الأردنية ، بترا، 13/12/2010)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد