ثورة 23 يوليو: قصة حياة أمة وإرادة شعب

mainThumb

22-07-2025 05:05 PM

أولاً، أود التأكيد هنا أن الحديث والكتابة عن ثورة 23 يوليو عام 1952م ليس ترفًا فكريًا ولا حنينًا لزمن نسميه "الزمن الجميل"، خاصة في هذا الزمن الصعب، بعد الانقلاب على كل ما تمثله تلك الثورة، وهذه الحرب المستمرة التي لم تتوقف إلا لكي تبدأ بشكل أقوى.

وقد كانت بداية هذه الحرب بكتاب لأديب معروف، وهو توفيق الحكيم، بعنوان "عودة الوعي"، ثم أصبحت الحرب أكثر وقاحةً سياسية بعد نهاية حرب أكتوبر، التي أستطيع، بضمير مرتاح، أن أقول إنها كانت آخر إنجازات ثورة 23 يوليو وقائدها جمال عبد الناصر، الذي كان الهدف الأساسي لتلك الحرب. ومنذ رحيله دخلت الثورة ذاكرة التاريخ والأمة، وسارت الدولة المصرية على طريق مختلف تمامًا، مناقض لما قامت عليه ونادت به الثورة في مبادئها الستة المعروفة.

وللأسف الشديد، جاء هذا الانقلاب من أحد أبنائها - أو هكذا قيل لنا - ومن أقرب الناس إلى قلب زعيمها، بعد المشير عبد الحكيم عامر والأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، رحمهما الله، وهو أنور السادات، الذي ما إن انتهت حرب أكتوبر حتى بدأ يعلن، بعد المحادثات السرية مع السافل هنري كيسنجر والخط الساخن مع واشنطن، أن حرب أكتوبر ستكون آخر الحروب، ولتبدأ مصر مسيرة مختلفة، كانت نتيجتها ثورة 18 و19 يناير 1977م، التي لم تكتمل لظروف يطول شرحها.

ثم كانت ثورة 25 يناير 2011م نتيجة طبيعية عندما أفلس نظام كامب ديفيد (الساداتي - مبارك) ولم يعد قادرًا على الاستمرار.

ثورة 23 يوليو لم تكن وليدة الصدفة والظروف السياسية، بل إنها امتداد طبيعي لثورة الزعيم أحمد عرابي، التي تعرضت للتشويه بعد احتلال بريطانيا لمصر، والذي استمر حتى ثورة 23 يوليو. وثورة مصطفى كامل، ومحمد فريد، وعزيز المصري، وسعد زغلول، وهذا الاستمرار لنضال الشعب المصري أكده جمال عبد الناصر في خطاباته.

وهناك حدث له مدلول تاريخي أثناء المفاوضات مع رئيس الوفد البريطاني، عندما جعله جمال عبد الناصر يمر من تحت صورة كبيرة للزعيم أحمد عرابي. في ذلك رسالة تؤكد نضال الشعب المصري من جيل أحمد عرابي إلى جيل جمال عبد الناصر، حتى تحقق النصر والتحرير، وهو ما تم بخروج البريطانيين من كامل التراب الوطني المصري بعد احتلال دام أكثر من سبعين عامًا.

وبعد ذلك قامت الثورة بإنجازات تاريخية، بتحقيق المبادئ الستة المعروفة، وأعادت مصر للمصريين، وأمّمت الشركات والبنوك الأجنبية التي امتصت دماء المصريين، وبنت السد العالي الذي حمى مصر من الجفاف وفيضانات النيل معًا، وقد وصفته الأمم المتحدة بأنه أعظم مشاريع القرن العشرين.

وأدخلت الثورة مصر لأول مرة عصر الصناعة، حيث أقامت أكثر من 1200 مصنع منتج، كما دعمت الثقافة والفن، وأقامت ما عُرف بـ"عيد العلم"، وكان يتم فيه تكريم القامات الأدبية والثقافية والفنية والمبدعين في كل المجالات.

كما شهدت مصر في عهد الثورة نموًا اقتصاديًا بلغ من 7 إلى 8%، كما دعمت الثورة حركات التحرر الوطني والقومي، ليس في الوطن العربي فحسب، بل في القارات الثلاث، ولذلك وجدنا اسم مصر بقيادة جمال عبد الناصر يتصدر كل دول العالم بنشاطها ودورها الذي يليق بتاريخها ومكانتها، وهناك الكثير من أجمل الأماكن العامة في القارات الثلاث حملت اسم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.

وبالتأكيد، كان لذلك ثمنه الغالي. فالحرية والاستقلال والدعوة والنضال من أجلهما لم يكونا أمرًا سهلاً في ذلك الوقت، والوطن العربي كان مقسمًا وفق اتفاقية سايكس – بيكو، وكان العدوان الثلاثي بهدف تسهيل انقلاب مدعوم من دول العدوان الثلاث، للأسف، باسم (الجنرال المحترم).

وعندما فشل العدوان أمام صمود مصر شعبًا وقيادة وجيشًا، وبدعم كل أحرار العالم لها، كان المخطط المخابراتي الخبيث بين أمريكا وكلبها المسعور، فور فشل العدوان الثلاثي، العمل على عدوان جديد عُرف بـ"النكسة الأليمة" في حزيران عام 1967م، بعد عشرة أعوام من العدوان الثلاثي، الذي أدانه العالم أجمع.

وكانت تلك النكسة أمريكية الصنع والتنفيذ، ثم جاء كلبها الصهيوني لتصوير الأمر وكأنه من فعله، كما صرّح المناضل المعروف الدكتور بسام أبو شريف، المستشار السياسي لرئيس الشهيد ياسر عرفات، رحمه الله، مؤخرًا عبر قناة "الحوار"، وكان الكود السري الأمريكي لتلك الحرب "اصطياد الديك الرومي"، والاسم والرمز واضح المقصود.

لكن يبقى السؤال: ماذا بقي من ثورة 23 يوليو بعد كل تلك المؤامرات؟

نقول: بقي من الثورة روحها ورمزيتها التي لم ينكرها أي نظام جاء لمصر بعد رحيل جمال عبد الناصر، قائد الثورة ومفجرها. ورغم تفريط كل تلك الأنظمة المتعاقبة، والحرب على الثورة وقائدها، التي لم تتوقف، بل ازدادت شراسة، فإن الثورة ستبقى، رغم كل الانحرافات عن مسارها وحتى الانقلاب عليها، الثورة الوحيدة في الوطن العربي البعيدة عن تدخل الأجنبي، سواء من الأصدقاء أو الأعداء، الذين برعوا في تصدير عملائهم وتلميعهم بانقلابات عسكرية دموية.

وكانت ثورة 23 يوليو استثناء من كل ذلك.

وهذا هو المعنى والقيمة الحقيقية لثورة يوليو: أنها وطنية من صميم الشعب المصري.

رحم الله أبطال ثورة 23 يوليو، وعلى رأسهم قائدها ومفجرها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، الحاضر الغائب.

وبقي من الثورة ما أنجزته من الاستقلال والاعتماد على الذات، لا على أمريكا بنسبة 99%، حتى في حل قضية العرب الأولى، فلسطين.

الثورات الإنسانية قد تنتكس وتتراجع، لكنها لا تموت، لأنها إرادة شعب.

وبعد كل تلك الحرب على الثورة وقائدها، والتفريط بكل إنجازاتها، نجد أن ثورة 25 يناير 2011م، عندما قامت، لم ترفع إلا صور الزعيم جمال عبد الناصر، ولم تطرح إلا شعارات ثورة 23 يوليو.

إذًا، بقي من الثورة روحها وضميرها الذي لن يموت، وسيبقى ما بقيت حاجة الإنسان للحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والاشتراكية ذات الوجه الإنساني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد