بين الواقع وشتات المشاعر

mainThumb

27-08-2025 12:12 AM

وفي رحلة العودة ومن باص كوستر خط عمان اربد وفي وقت المساء ،تمر أنت والغروب في لحظة تأمل معاً في السماء لتنهي ذلك اليوم بسلام، جميع الركاب يثنون رؤوسهم متعبين على المقاعد ،تأخذهم الغفوة تاره ،وتاره ينهظهم المطب الذي في وسط الشارع ،ويحرك الشوفير " دقة قديمة " مؤشر الراديو على اغنية ام كلثوم التي ترافق العودة في ساعة ونصف في مدة زمن استثنائية ، في مساء تعتبر ام كلثوم محركة للمشاعر العاطفية وتساعد على هظم متاعب اليوم ،يسمعها الركاب منسجمين ، " هو صحيح الهوا غلاب " ؟؟ " ايه دا الي جرى " ويسود الصمت الذي لا يخدشه إلا الذكريات ليسأل كل واحد منا فعلا ايه دا اللي جرى ؟،"" اليوم يمر بمرار وعذاب ،واليوم بسنة "" لتكمل نظرة وكنت احسبها سلام وتمر قوام اتاري فيها وعود وعهود وصدود "" تقلب الذكريات نحو الحنين أو إلى شيء مجهول مكنون في داخل كل راكب موجود ،ومع التكرار المقاطع لنصل إلى طريق جرش ، وبعدها نتأمل الشارع وننظر إلى وجوه الناس حينما نقف على إشارة المرور ، وكأننا نبحث عن أناس نعرفها ،أو أحببناها ،او تعلقنا فيها يوماً ،او شبيها لأحدهم أو لربما صدفة تجمعنا ،نعم وتستمر ام كلثوم في الغناء وكأنها تساعدنا في تنشيط ذاكرتنا ، وبعد مرور أعوام و أعوام اي من عام ١٩٦٠ غنت تلك الاغنية ما زالت تقول """ عهود مع اللي ملوش امان وصبر على ذله وحرمان " وبدال ما اقول حرمت خلاص " اقول زدني كمان " ، حسافة على ما ضاع منا من مشاعر وندم ، وأر هناك من يغني معها بهدوء ،وهناك من يهز رأسه وهو يغلق عينيه كان شريط الذكريات يمر امامه ،وهناك من يشرد بتفكيره ليتذكر حبه القديم ،وهناك من تدمع عيناه على لقاء الاخير ،وهناك من يتألم بصمت على من فقد ، وهناك من ينظر الى هاتفه يتأمل المحادثات والصور "وتعود وتقول ""ايه يا ترى ايه
اللي جرى " معرفش انا ""؟ ونحن أيضا كل امور حياتنا تأتي في نهاية اليوم كحمل ثقيل وجاءت ام كلثوم لتكملها علينا ،انا معرفش انا ".

كنا متعبين لدرجة أن ام كلثوم شعرنا أنها متعبة معنا بتلك الرحلة من عمان إلى اربد وكأنها تعيش في هذا الزمن وسط الخذلان والموت والاخبار والحروب وأزمات الاقتصادية والاجتماعية والعالمية، لكن ما هي الوعد التي أخلت بها ؟ نريد أن نعرف ؟ لربما مشكلتها وعود اكبر من وعد الحكومات في زمن الإصلاح الاقتصادي والحزبي والفقر والبطالة ،حتى جاء فاصل اخباري ،ازعجنا أكثر ذلك المذيع الذي بسببه قطع افكارنا وانسجامنا مع الأغنية ، ليقول نشرة الأخبار و يذكرنا بالواقع الأليم ، اجتمع وزير خارجية الأمريكية توماس باراك مع الرئيس اللبناني وكان الحديث بخصوص نزع أسلحة حزب الله ،وقال المذيع عن المحادثات بين حماس وفريق التفاوض ،و عملية واسعة من المداهمات في رام الله وفي نهاية اعد لنا عدد شهداء غزة ، وحدثنا أيضاً أن هناك تفاهم قريب بين اسرائيل وسوريا ، وكأن الشوفير منتظر أن ينتهي الموجز من بشاعة الاخبار ،وأن تعود ام كلثوم لتقول "يا قلبي اه "،الحب وراه اشكال والم وندم واذوب على المكتوب ما يزيدش ندم" ، وتقطع المسافة ونصل إلى جسر نعيمة وما زال المشوار بعض الشيء طويل ،ولتقول ام كلثوم يا ريت انا اقدر اختار ،ولا كنت اعيش بين جنة ونار ،"أو العيش في عمان أو اربد " وليل نهار ،" نقيسها في سروات الصبح وترويحة الغروب " والجميع بنفس الوضع يتقلب على ألم " لربما هناك أحدهم قضى يومه في المستشفى أو بمراجعة طبيب ،واصابته حينما قالت " أهل الهوا وصفولي دوا ،لقيت دواه زود في اساه " ايه دا اللي جرى؟ وانا وانا معرفش ،معرفش انا .. نزلني يا شوفير



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد