التّشريعية، من قانون زعيط ومعيط إلى التّزكيات

mainThumb

28-10-2022 03:02 PM

لنتكلّم و نذكّر بممارسات الإقصاء و الإلغاء التي كانت تمارسها منظومة الحكم في فترتي رئاسة بورقيبة و بن علي، أولا لنذكّر الشّعب التّونسي الذي له ذاكرة قصيرة و لنعلم الشّباب الذي لم يعايش تلك الحقبة من حكم الفرد في فترتي حكم بورقيبة منذ الاستقلال و بن علي بعد السّابع من نوفمبر 1987 حتّى الإطاحة به يوم 14 جانفي 2011...

لقد انطلقت التعدّدية الحزبية في سنة 1981 و لكن كان القانون الانتخابي تعجيزي يتطلب تزكيّات لكلّ عضو في القائمات إن كانت في الانتخابات التّشريعية أو انتخابات المجالس البلديّة، و للعلم هذا الأمر لم يكن بالأمر السّهل و الهيّن، بسبب تغوّل الحزب الحاكم على الشّعب بالأجهزة الصّلبة للدّولة و ممارسات التّرهيب و التنكيل بكل من يقترب من نشطاء  المعارضة ناهيك عن كلّ من انخرطوا و شاركوا فيها...

و بعد أيّام قليلة من إصدار مرسوم الانتخابات التّشريعية القادمة بدأت في كتابة هذا المقال و نشرته على حسابي و صفحاتي على الفايسبوك (و بالتحديد يوم 17 سبتمبر نشرت مسودة هذا المقال على الفايسبوك)، و قد قلت أنّ هذا النّص تعجيزي و إقصائي و لا يمكن لأي من المترشّحين إن كانوا من المتحزّبين أو المستقلّين من أن يتمكّنوا من جمع هذا العدد الكبير جدا من التّزكيات، فلا يمكن الإيفاء بهاته الشّروط التّعجيزية و الإقصائية المنصوص عليها في هذا النّص...

و قد قلت من الأيّام الأولى بعد إصدار المرسوم أنّه لن يتمكّن إلاّ حزب أو حزبين على أقصى تقدير من الإيفاء بهاته الشروط، و ستكون اللّعبة محصورة بين عدد قليل جدّا من المترشّحين، و في بعض الدّوائر لن يتمكّن أي طرف سياسي أحزاب و مستقلين من تقديم ترشّحات للانتخابات التّشريعية القادمة...

مع العلم في السّابق كان هذا الشّرط موجود و خاصة في الثّمانينات، و قد كان عدد المزكّين المطلوب 70 ناخبا على كلّ عضو في القائمة، و قد كانت أحزاب المعارضة تعتبر هذا تعجيزا من السّلطة الحاكمة أنذاك، أي سلطة حكم بورقيبة في انتخابات 1981 و بعده بن علي في انتخابات 1989 و قد طالب نشطاء و قادة أحزاب المعارضة إزالة هذا الشّرط من القانون الانتخابي، و قد استجاب نظام بن علي لهذا الطّلب في التّسعينات، و للأسف ها قد عدنا لنفس الممارسات و لنفس الشّروط التّعجيزية و الإقصائية التّي خلنا أنّها انتهت بدون رجعة بعد 2011...

و في النّهاية أقول حتى و لو سلّمنا أنّ المترشّحين سيتمكّنون من جمع هاته التّزكيات، و لكن أجزم أنّه في بعض الدّوائر الانتخابية عدد النّاخبين المرسّمين في القائمات الانتخابية لا يمكنه أن يغطّي عدد الذّين يرغبون في التّرشّح، لنقل مثلا أن هناك 10 أشخاص يرغبون في التّرشّح للانتخابات التّشريعية، إذا العدد المطلوب من المزكّين يكون 4000 ناخب، و للعلم ليس كلّ من هم مسجّلون في القائمات الانتخابية سيقبلون بتزكية المترشّحين، و طبعا هناك دوائر لا يتجاوز عدد المسجّلين فيها بعض الآلاف، أي أنّ عدد المسجّلين لن يفي بالحاجة و لا يكفي لطلبات التّزكيات، و خاصة أنّ الناخب لا يمكنه أن يزكّي إلا مترشّح واحد...

خلاصة القول بعد قانون زعيط و معيط و نقاز الحيط الذي مكن النطيحة و المتردية من المشاركة في انتخابات مجالس ما بعد 2011 يصدر مرسوم انتخابي يشترط توفير 400 من التّزكيات، و هذا شرط تعجيزي و وإقصائي و هكذا يعودون بنا لما حصل في انتخابات 1989 و ما قبلها سنة 1981، و لنذكّر و نتذكّر أنّ كلّ من قاموا بتزكية قائمات حركة النّهضة وقع التّنكيل بهم و الكثير منهم زجّ بهم في السّجون بتهمة الانتماء لحركة غير معترف بها رغم أن الكثير منهم لا ينتمي للحركة و ذنبهم الوحيد أنّهم دعموا قائمات حركة النّهضة بالتّزكيات...

و من ناحية أخرى لا شك عندي أنّه قبل تقديم التّرشحات سيكون هناك سوق ستزدهر فيه تجارة بيع و شراء التّزكيات...

و للأمانة مسألة التّزكيات أمر لا بد منه من أجل تحقيق الحد الأدنى من الجديّة و المصداقية لكلّ من يرغبون في التّرشّح، و لكن ليس بهذا العدد المشط و التّعجيزي،  و قد كان من الأحرى الاكتفاء بخمسين تزكية و على أقصى تقدير مائة تزكية و ليس 400 تزكية التي لن يقدر على جمعها إلا القليل القليل، الأمر الذي سيتسبّب في إقصاء عدد كبير من الرّاغبين في التّرشح و بالتّالي إفشال الانتخابات و ضرب مصداقيتها...

خلاصة القول هذا القانون وضع بعقلية المنظومة القديمة ( المنظومة النّوفمبرية و البورقيبية) و الهدف منه كما تعوّدوا إقصاء و إلغاء كلّ من هم ليسو متماهون مع المنظومة و غير سائرون على خطى السيستام، و الهدف الأساسي تعجيز الخصوم السّياسيين حتى لا يتمكّنوا من المشاركة بمنعهم من تقديم قائمات في الانتخابات التّشريعية القادمة...

و في النّهاية أقول كان من الأحرى و الأجدى و الأمثل و الأسهل على هيئة الانتخابات تمكين الرّاغبين في التّرشح للتشريعية من القيام بالتزكيات عن بعد عبر الهاتف الجوال، و هكذا ترتاح الهيئة من متاعب التّثبّت و تريح المواطنين من مشقّة الوقوف في الطوابير من أجل القيام بالتعريف بالإمضاء للتزكيات...

*نائب سابق و قيادي بحزب الخضر


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد