الأدلاء السياحيين في الأردن

mainThumb

27-07-2025 12:15 AM

في عام 2023، استقبل الأردن أكثر من مليون وسبعمائة ألف سائح غير عربي، وسط هذا التدفق برزت مشكلة نقص الأدلاء السياحيين المرخصين. فكيف سيروي الأردن قصته للعالم دون من ينقلها بأمانة ومهنية؟
رغم التحديات التي يواجهها قطاع السياحة بسبب الظروف الاستثنائية في المنطقة، فإن التدريب والتطوير يجب أن يكونا استباقيين، لأن إعداد الكوادر يتطلب وقتاً وجهداً. ولا ينبغي أن تكون الظروف مبرراً لوقف التطوير، بل فرصة لبناء القدرات وتعزيز جودة الخدمات استعداداً للمواسم القادمة.
معالجة هذا النقص تتطلب قرارات شجاعة وفورية تواكب رؤية التحديث الاقتصادي وتوجّه الحكومة لخلق فرص عمل للشباب. ويمكن أن تبدأ بخطوة عملية مباشرة، تتمثل في إدراج المتقدمين الموافق عليهم سابقًا ضمن الدورة التدريبية القادمة، دعمًا لاستدامة المهنة وضمانًا لجودة الخدمة.


نقص معيق في كل سنة سياحية نشطة

في كل سنة سياحية نشطة، تعاني كثير من مكاتب السياحة الوافدة في الأردن من نقص حاد في الأدلاء السياحيين. هذا النقص المعيق دفع أكثرهم إلى تبني سياسة أكثر تحفظاً في تسويق خدمات الأدلاء، خوفاً من عدم القدرة على تأمينه لمحموعاتهم السياحية. ومثالاً على ذلك، شهدت السنوات النشطة 2018، 2019، 2022، و2023 تصاعداً في طلبات الحصول على رخص مؤقتة لمرافقي المجموعات، كحل عاجل لسد الفجوة الكبيرة التي أثرت سلباً على جودة الخدمة مقارنة بالحجز مع دليل سياحي مرخص.


التقييد في إصدار الرخصة: عقبة أم ضمان للجودة؟

تتبع وزارة السياحة الأردنية سياسة مقيدة في منح تراخيص الأدلاء، ووفق إحصائيات الوزارة لسنة 2024، لا يتجاوز عدد الأدلاء المرخصين 1500 دليلاً، وهو عدد قليل جداً عند النظر إليه من عدة جوانب:
1- شريحة من الأدلاء السياحيين متقدمة في السن، ما يحد من قدرتهم على تحمل ضغط البرامج السياحية الطويلة أو المتكررة.
2- و أخرى ممن يقيمون خارج الأردن أو لا يعملون بانتظام، مما يقلل فعليًا من المتاحين في الميدان.
3- و منهم من تقاعد أو غادر المهنة بسبب تذبذب القطاع السياحي، ورغم أن هذا أمر متوقع في المهن الموسمية، إلا أنه يفاقم النقص الفعلي في الأدلاء النشطين.
4- و يزيد المشهد تعقيدا، تفاوت معايير اختيار الأدلاء بين المكاتب السياحية المحلية والدولية، حيث لا يمكن فرض دليل معين إذا لم يكن مطابقًا لتوقعاتهم مما يستدعي قاعدة اوسع لتلبية هذا التفاوت.


واقع ترخيص وتدريب الأدلاء

خلال العقد الماضي، ازداد عدد الأدلاء المرخصين بمتوسط 30 إلى 40 دليلاً سنويًا، إذ ارتفع العدد من نحو 1123 في عام 2015 (حسب إحصائية الوزارة) إلى أقل من 1500 اليوم، ما يعكس نمواً محدوداً. ويُعزى ذلك إلى سياسة الكوتا التي تعتمدها وزارة السياحة لتنظيم السوق والحفاظ على الجودة. لكن رغم نواياها الإيجابية، أدت هذه السياسة إلى تقييد فرص العمل، وخلق فجوة بين العرض والطلب، وفتح المجال لممارسات غير رسمية، إلى جانب إحباط المتقدمين الجدد بسبب طول وتعقيد إجراءات الانضمام.


كلما اتجهت الوزارة نحو مزيد من التقييد، انعكس ذلك سلبًا على فرص الأدلاء واستقرار مهنتهم

طالب بعض الأدلاء بعدم التوسع في أعداد المرشدين، بل دعا بعضهم إلى وقف التدريب كليًا خوفًا على دخل المهنة. ورغم أن هذا التخوف مفهوم لحماية الفرص الحالية، إلا أن له أثرًا سلبيًا كبيرًا على مستقبل المهنة وتطورها.
ففي السنوات السياحية النشطة، واجهت مكاتب السياحة الأردنية صعوبة في توفير عدد كافٍ من الأدلاء، مما دفعها لتوجيه الزبائن نحو البرامج الخاصة التي لا تشترط بالقانون مرافقة الدليل سياحي. وساهم في ذلك تزايد السائقين السياحيين المتقنين للإنجليزية، الذين يقدمون خدمات جيدة بأسعار منافسة.
ولم يقتصر هذا التحوّل على المكاتب الأردنية، بل بدأ يتكرّس أيضًا في المكاتب العالمية، حيث تبنّت شركات سياحية دولية هذا النمط، وأصبحت توجه زبائنها نحو البرامج الخاصة بدون دليل مرافق، والاكتفاء بحجز دليل موقع في بعض المناطق الرئيسية مثل البتراء أو جرش.
وهذا كله ببساطة هو توجه طبيعي للسوق بسبب عدم جاذبية أعداد الأدلاء الحاليين لصرف جهود تسويقية لخدماتهم خوفا من عدم توفرهم في السنوات النشطة.

لماذا اللغة الإنجليزية؟

خلال العقدين الماضيين، توسعت استخدامات اللغة الإنجليزية في السياحة العالمية لتصبح لغة تواصل رئيسية بين جنسيات متعددة. اليوم، يستطيع العديد من السياح من ألمان وهولنديين وإسبان وزوار شرق آسيا و غيرهم التحدث بالإنجليزية جيدًا، و بينما نسبة الأدلاء المتمكنين من لغات أخرى مثل الإسبانية والفرنسية والكورية أقل توفرا لذا، يُعتبر ترخيص أدلاء اللغة الإنجليزية شبكة أمان عند نقص أدلاء اللغات الأخرى.

تحديات مرهقة تواجه المتقدمين لمهنة الإرشاد السياحي

يواجه المتقدمون لدورة الدلالة السياحية في الأردن تحديات مرهقة تستهلك وقتهم وجهدهم، وتؤثر سلبًا على فرص دخولهم هذا المجال الحيوي:
1- الانتظار الطويل: تستغرق عملية القبول الأولي، من موعد التسجيل وحتى الخضوع لامتحان اللغة والمقابلة الشخصية، عدة أشهر، مما يؤخر بدء المسار المهني للمتقدمين.
2- إمتحان محلي لا يحمل إعترافا دوليا: تقديم إمتحان لغة إنجليزية محلي لا يحمل اعتمادًا دوليا مثل ال IELTS و TOEFL الذي تعتدمدهما الجامعات و دوائر الهجرة العالمية.
3- القيود الزمنية لإعادة التقديم: عدم إمكانية التقديم وإعادة الامتحان في أي وقت على مدار العام مثل ال IELTS و TOEFL، و إنما ينتظر المتقدمين مواعيد الوزارة المنسقة مع مركز الإمتحانات المتعاقد، مما يزيد إنتظار المتقدمين.
4- تأجيل المقبولين سابقا: تأجيل الحاصلين على علامة B2 (الموافق عليهم سابقا) الى دورة أخرى و عدم شملهم بالدورة القادمة مما سيجعلهم ينتظرون 6 الى 8 أشهر أخرى أو أكثر للإلتحاق.
5- غياب نتائج تفصيلية: لا يتمكن المتقدمين (للغة الإنجليزية) من الحصول على علامتهم بشكل تفصيلي مكتوب, مما يخلق غموضا ويصعب عليهم تقييم نقاط قوتهم وضعفهم.

توسيع عدد الأدلاء: خفض للبطالة واستدامة لكلية عمون الجامعية و أعداد جذابة للتسويق

فتح المجال لمزيد من المتقدمين لدورات الدلالة وتخفيف المعايير – دون الإضرار بالمهنة – لا يسهم فقط في سد النقص خلال المواسم النشطة، بل يوفّر فرص عمل للشباب ويعزز استدامة المهنة. كما ينعكس هذا التوسع إيجاباً على كلية عمون، الجهة التدريبية المعتمدة، بزيادة الإقبال على برامجها، ما يرفع إيراداتها ويعزز دورها في دعم الاقتصاد الوطني وتطوير رأس المال البشري في قطاع السياحة.

و أهم مافي ذلك أن زيادة عدد الأدلاء المؤهلين تعزز جاذبية تسويق خدماتهم، إذ كلما اتسعت قاعدة الأدلاء، زادت ثقة الشركات السياحية المحلية والدولية في إمكانية الاعتماد عليهم خلال المواسم النشطة. وهذا يشجعها على تصميم برامج سياحية ترافقها أدلاء، بدلاً من اللجوء إلى برامج خاصة لا تتطلب وجودهم.


الوزارة و هيئة تنشيط السياحة تسوّق الأردن... فهل الكادر الإرشادي على قدر الطموح

لقد لمسنا الجهود المتميزة التي تبذلها وزيرة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة في تسويق الأردن، خاصة في ظل الظروف الإقليمية الصعبة، من خلال مبادرات نوعية مثل إطلاق المعرض المتنقل "الأردن فجر المسيحية" في الفاتيكان وإيطاليا، ومشروع درب الحج المسيحي، وتوأمة البترا والكولوسيوم، وتفعيل غرفة عمليات خاصة بالقطاع السياحي، والمشاركة في المعارض العالمية، والترويج لسياحة المغامرات وغيرها من المبادرات المشكورة، التي نأمل أن تؤتي ثمارها قريبًا. ولكن، هل لدينا فعلا عدد كافي من الأدلاء الفعالين؟ و هل زيادة متوسطة تتراوح بين 30 إلى 40 دليلًا سنويًا كافية لتوقعاتنا السياحية ؟

ما العدد السنوي المطلوب لتخريج أدلاء جدد لضمان استدامة المهنة؟

رغم صعوبة التنبؤ باتجاهات السوق السياحي سنويًا، إلا أن السنوات النشطة السابقة أثبتت بوضوح أن عدد الأدلاء المتاحين فعليًا لا يغطي الطلب، ما اضطر المكاتب السياحية إلى اللجوء لتصاريح مؤقتة لسد العجز.
وقد أظهرت التجربة أن متوسط الزيادة الحالي منخفضًا للغاية و لا يواكب الفاقد الطبيعي و تنوع متطلبات المكاتب السياحية، و لا يساهم في استدامة جاذبية تسويق خدمات الأدلاء، ولا ينسجم مع توجه الحكومة ورؤية التحديث الاقتصادي الهادفة إلى خلق فرص عمل في ظل معدلات البطالة المرتفعة.
ورغم أن تحديد العدد السنوي الأنسب يحتاج الى تجارب واقعية و خبراء من أهل القطاع مثل اللجان و المكاتب السياحية، فمن وجهة نظري يمكن الإسترشاد بعدد التصاريح المؤقتة التي صدرت في السنوات النشطة السابقة و التي يمكن أن تكون مؤشرًا عمليا جيدا.
وفي تقديري الشخصي، ومن واقع الاطلاع على تحديات القطاع وتجارب السنوات السابقة، أرى أن تخريج ما بين 150 إلى 200 دليل سياحي سنويًا يُعد رقمًا معقولًا. فهو يساهم في استدامة المهنة والجهة التعليمية، ويوسّع قاعدة الأدلاء، ويرفع قدرة السوق على تلبية الطلب بمرونة وكفاءة.

وختامًا، يمكن لوزارة السياحة والآثار اتخاذ خطوة عملية سريعة تعكس استجابتها لهذا الطرح، عبر إدراج المتقدمين الموافق عليهم سابقًا – ممن حصلوا على درجة B2 في اللغة الإنجليزية واجتازوا المقابلة الشخصية – ضمن الدورة القادمة لبرامج الإرشاد السياحي. فهؤلاء قد أتموا المراحل الأساسية وينتظر بعضهم منذ أكثر من عام، في حين أن تأجيلهم لدورات لاحقة قد يمدد انتظارهم عامًا إضافيًا. إن اعتماد هذه الخطوة لا يسرّع فقط في تغطية النقص المحتمل في عدد الأدلاء، بل يُعد استجابة عادلة لكفاءات مثبتة، ويعزز ثقة المتقدمين الجدد في شفافية واستمرارية البرنامج.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد