من "اقتصاد الوعود" إلى "اقتصاد التنمية الحقيقية", المدن الوهمية مثالا

من "اقتصاد الوعود" إلى "اقتصاد التنمية الحقيقية", المدن الوهمية مثالا

01-12-2025 08:13 PM

مرة تلو الأخرى، تُعلن الحكومات عن مشاريع مدن جديدة في مواقع متناثرة من المملكة من الكرك إلى الغباوي وصولاً إلى عمّرة.

يُسوَّق كل مشروع على أنه الحل السحري لأزمة السكن المستفحلة، المواطن لا يرى على أرض الواقع سوى بيانات إعلامية تتبخر مع الوقت، تاركة وراءها ارتفاعاً جنونياً في أسعار الأراضي وأزمة سكن تتفاقم عاماً بعد عام.

الديون العامة تتراكم وتصل إلى مستويات خطيرة، تستمر هذه السياسات في تحميل محدودي الدخل العبء الأكبر، دون أن تقدم حلاً جذرياً.

السؤال المحوري : هل هذه المشاريع فعلًا تُخطط للإسكان، أم أنها مجرد أداة لإدارة الرأي العام وتغذية سوق المضاربة؟!

جوهر الإشكالية يكمن في تحويل قضية إسكانية إنسانية إلى سوق للمضاربة العقارية , بمجرد الإعلان عن موقع مدينة جديدة يؤدي إلى تضخم أسعار الأراضي في المنطقة بشكل فوري وغير مبرر، حيث يندفع المضاربون لشراء أراضٍ رخيصة تحولت بين ليلة وضحاها إلى "مناطق تنموية واعدة".

النتيجة مجرد فقاعات سعرية وهمية تعتمد على الأخبار وليس على تنمية حقيقية، مما يحرم الأسر محدودة الدخل من أي أمل في تملك مسكن في تلك المناطق حتى قبل أن يلمس المشروع الواقع.

بهذه الطريقة يصبح الإعلان الحكومي نفسه محركاً رئيسياً لارتفاع تكاليف السكن الذي يشكو منه الجميع.

في المقابل، لا يلقى التيار النيوليبرالي المسيطر على التخطيط الاقتصادي بالاً لمعاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة.

بينما تُعلن المشاريع الضخمة، لا توجد ضمانات أو آليات واضحة لتخصيص نسبة من الوحدات السكنية بأسعار ميسرة، ولا خطط تمويلية تساعد هذه الفئات , الا من خلال قروض ربوية بنكية ستزيد الطين بلّة من خلال اغراقهم بقروض ربوية تزيد من معاناتهم الاقتصادية .

يبدو أن التركيز منصباً على جذب الاستثمارات الكبرى وشراكات القطاع الخاص، التي تهدف بالضرورة إلى تعظيم الأرباح، مما يهدد بتحويل أي مشروع يُنفَّذ إلى مجمعات سكنية نخبوية باهظة الثمن.

وهذا يتجاهل حقيقة أن أزمة السكن هي في الأساس أزمة قدرة شرائية، وليست أزمة نقص في الأراضي الفارغة.

الأمر يصبح أكثر إثارة للقلق في ظل عجز الموازنة المعلن , فكيف يمكن تبرير طرح مشاريع مدن كاملة ذات كلفة بنية تحتية خيالية، بينما نعاني من مديونية عامة متضخمة تهدد الاستقرار الاقتصادي؟!

إذا كان التمويل سيأتي عبر المزيد من القروض، فإننا نثقل كاهل الأجيال القادمة , وإذا كان عبر القطاع الخاص، فستكون الأولوية للربح وليس للحل الاجتماعي.

الظاهر أننا نواصل الرهان على مشاريع طموحة في الخيال، بينما نهمل الحلول الواقعية القادرة على تخفيف المعاناة اليومية للناس.

لقد حان الوقت لمراجعة جذرية لهذه الفلسفة , الحل ليس في مدن وهمية تُعلن في المؤتمرات الصحفية، بل في سياسات ملموسة: كبح جماح المضاربة العقارية ، وتوجيه الدعم مباشرة للأسر المستحقة عبر برامج إسكانية وتمويلية مستهدفة، وتطوير الأحياء والقرى القائمة بتحسين خدماتها وبنيتها التحتية , كما يجب ربط أي مشروع جديد مستقبلي بنسبة إلزامية من الإسكان الاجتماعي مع نشر دراسات الجدوى والتمويل بشكل شفاف أمام الرأي العام.

فقط عندها يمكن تحويل الخطاب من "اقتصاد الوعود" إلى "اقتصاد التنمية الحقيقية" التي تضع الإنسان في قلب أولوياتها


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد